|
لا شك أن الكتابة عن حدث بحجم اليوم الوطني ليست من السهولة بمكان، ولا بالعمل الهين، ليس سبب ذلك ندرة في الأحداث الجديرة بالكتابة حولها بل بسبب غزارة وضخامة حجم هذه الأحداث وتشعباتها في كل اتجاه؛ إذ أينما وجَّهت نظرك، وذهبت دراستك، سواء إلى مرحلة التأسيس أو ما بعد التوحيد، فإن في كل بقعة ومدينة حقبة تاريخية تتطلب الكتابة عنها مجلدات. لقد أصبح يوم الوطن ونحن نحتفي بذكراه في عامه الواحد والثمانين حدثاً متميزاً قائماً بذاته، تتطور نتائجه بسرعة مذهلة، والملك عبدالعزيز غني عن المحامد، ومهما يكن من شأن فإن لديه والدين والوطنية أمرَيْن متلازمَيْن، وكان الملك عبدالعزيز الذي تمكَّن الدين من فؤاده يحب وطنه حباً صادقاً، ويفديه بروحه. إن الجمع المتزن بين الدين ونهضة الوطن كان أمنية، وكان أملاً يتطلع إلى تحقيقه ورؤيته الصفوة المستنيرة من أبناء الأمة ورجالاتها، وقد نهض الملك عبدالعزيز لتطبيقه ونقله من أفق الأمل إلى دائرة التطبيق على صعيد المجتمع والدولة؛ إذ كانت هذه البلاد بقيادته مسرح التنفيذ والفعل، وقد تآخى المنهج ووعاء التطبيق - أي الوطن - في نهضة الملك عبدالعزيز؛ فظفرت الوطنية بمضمونه النفيس مصدراً ومحتوى وفق نهج العقيدة والشريعة والرصيد الصحي من كريم التراث وسوابق التاريخ والحضارة، وبهذا الخيار تمكن الإسلام في إقليم مسيطر عليه حر السيادة والقيادة، ينتظم فيه أُمَّة ترتضي الإسلام، وتصف وراء القيادة، وتعتز بالوطن اعتزازاً عاماً مثيلاً باعتزاز سائر البشر بأوطانهم واعتزاز خصوصي بحكم أن هذا الوطن نسيج وحده؛ إذ احتباه الله - جل ثناؤه - يوم خلق السماوات والأرض بظرف مكان للبلد الحرام والبيت الحرام. تلك الموضوعية شجَّعت الملك عبدالعزيز على بَدْء مسيرته من الرياض، وامتد خيره في المكان امتداداً انتظم بموجبه وحدة هذه البلاد، وامتد خيره في الزمان امتداداً مطرداً إلى يوم الناس، وحمله أبناؤه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - والسياق مبدأ بما يسلمه ويوهيه؛ إذ قفز جملة واحدة فوق ما تقدم، وجاز ذلك أن الملك عبدالله شجرة باسقة مثمرة في حقل خصيب الإرواء، وابنٌ نجيب موفور المواهب في مدرسة الملك عبدالعزيز، وقد عزَّز الملك عبدالله عهده بما يحمل الأصل وإماطة الجمود بالنقلة الحضارية الجديدة بالإصلاحات الداخلية وتزيز علاقات خارجية تجمع إلى ثبات المبدأ ومرونة الحركة ثم الامتداد بالأثر الصالح للمستقبل؛ فهو رائد كبير من رواد النهضة والإصلاح؛ حيث إن الفهم المتوازن والإنساني والأخلاقي لمفهوم التنمية الشاملة يتسق تماماً وفكر خادم الحرمين الشريفين الاستراتيجي؛ لأنه يجد في فطرة النهج التربوي الذي أنشأ عليه المؤسس الراحل أبناءه وغرسه في شعبه وفي دولته التي أرسى قواعدها على الهدى القرآني ومحجة الإسلام البيضاء والتربة الصالحة غاية التنمية؛ لأنه مستخلف من خالق الكون لأعمار الأرض؛ لذا لا غرابه إذا ما أبدى خادم الحرمين هذا الاهتمام بالإنسان السعودي فأفاض من أجله ميزانية الدولة، وخصه بالنصيب الأكبر ليقينه بأن الإنسان هو الهدف الأول الذي يجب أن توظَّف من أجله موارد الدولة.
هذه العناية الكبيرة تظهر بشكل مؤثر عندما تختلط باللمسة الإنسانية الحانية حين تغدق وتفيض كرماً وحباً وعطفاً عليهم. كل هذا لا يمكن أن يكون نتاج مصادفة، وإنما نتاج عمل دؤوب وواعٍ وفكر استراتيجي يعرف كيف يدير مجتمعاً ويقوده في مسيرة الإصلاح والنهضة والتطور الحضاري. وحصحصة الحق أن نعلم بالاقتضاء أن الملك عبدالله كبير بإخوانه فملوك آل سعود قد تنوعت اجتهاداتهم كما تنوعت الثمار التي تُسقى بماء واحد، بيد أن الحقيقة التاريخية والسياسية تقول إن كل إنجاز عظيم إنما يُعبِّر عن الإرادة الجماعية والمسؤولية التضامنية، وهذا نهج يدل على وحدة المصدر، ويدل في الوقت ذاته على سعة مساحة الاجتهاد، وهي سعة تقتضيها مسؤولية الملك وصلاحياته؛ فبقدر مساحة المسؤولية يكون مدار الاجتهاد.
إن إخوان الملك عبدالله هم السند الأول له بعد الله، وهو يبني بمهارة، ويكافح موجات الشر والفتنة والعدوان بعنفوان وصرامة، ويرد عن الحمى رد الغيور. وإذ ثبت أن الملك عبدالعزيز - وهو أحد عباقرة العرب الكبار - كان يستعين بأبنائه لصناعة النهضة الكبرى فمن البديهي أن يكون أبناؤه عوناً لأخيهم الملك عبدالله، والرجل بشعبه ولأمته، ولا يمكن لزعيم أن ينهض دون ثقة شعبه ونصرة أمته، فالعلاقة بين القائد وأمته أخذ وعطاء وتعاون منتظم يوفر السلامة ويديم الحركة والعمل والتقدم والازدهار. حفظ الله قادتنا وبلادنا من كل مكروه، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.
اللواء متقاعد : عبدالله بن كريم بن عطية العطوي