تمر الذكرى الواحدة والثمانون لتوحيد الوطن لتزيدنا شكراً لله عز وجل على هذه النعمة الكبرى التي لا تقدر بأي ثمن. لقد قام توحيد البلاد العربية السعودية على عاملين أساسيين مهمين وهما: تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أمور الدولة الفتية، والعناية الفائقة بنشر الأمن في جميع ربوع الوطن. وهذان الأساسيان (الفكر والأمان) هما غاية أية أمة تسعى للاستقرار والنماء.
لقد مكن هذان العاملان تحول المكان الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية من فسيفساء متناحرة تعمها الفوضى والتناحر وضعف الأمن حتى لا يأمن الإنسان على نفسه وماله وأهله، إلى فسيفساء متعاونة متعاضدة يكمل بعضها بعضاً حتى ليسيح المرء في هذا المكان بالطول والعرض فرداً أو في جماعة وهو مطمئن على نفسه وماله وعرضه. لقد قاد مسيرة التأسيس والتوحيد ابن بار لهذا الوطن كافح مع فئة قليلة لتحقيق هدف نبيل تحمل فيه هذا الابن مع رفقائه من الصعاب والعقبات حتى حقق الله ذلك الهدف. وبعد حياة مليئة بالجهد والعمل الدؤوب ترك الملك المؤسس - رحمه الله - لأبنائه البررة صرحاً شامخاً وخريطة طريق إذا ما اتبعت أمكن للخلف المحافظة على هذا الكيان. وقد كانت المسؤولية كبيرة للمحافظة على هذا الكيان بل وتطويره ونقله إلى مصاف الدول المتطورة. وقد تحمل الأبناء هذه المسؤولية بكفاءة عالية، وقادوا الوطن لحياة تحققت فيها الحياة الكريمة للإنسان المقيم على ثرى المملكة العربية السعودية. ولم تكن هذه الحياة الكريمة قاصرة على المواطن وإنما شملت المواطن والوافد المقيم في الحضر والريف والبادية، بل وتعدتها لتشمل آثارها المسلمين القادمين من جميع أرجاء الدنيا إلى هذا الوطن. فلقد أمكن للإنسان الإقامة والحركة وهو آمن في المدن حتى ليترك رب الأسرة أو رب العمل باب بيته أو باب متجره مفتوحاً ويذهب لأداء غرض ديني أو دنيوي ولا يخشى أو حتى يفكر في أن أحداً سيعتدي على حرمة البيت أو المتجر. وهذا الأمن لم يقتصر على الحياة الحضرية وإنما شمل أيضاً حتى الريف والبادية حتى أن المزارع أو الراعي يترك مزرعته أو حلاله ويذهب للمدينة للتسوق أو قضاء بعض الأعمال وهو آمن مطمئن. بل وتدفق المسلمون للبلاد العربية السعودية عبر مسالك ودورب معقدة من كل أصقاع الدنيا لأداء فريضة الحج أو العمرة وهم آمنون مطمئنون أبدلهم الله سبحانه وتعالى ثوب السفر الآمن بعد أن كانوا يعانون الأمرين من قطاع الطرق لسلب المال وإزهاق الأرواح دون خوف أو وَجَلْ من خالق أو بشر بمبررات ماكرة وواهية. كل هذه النعم تستحق منا في يوم الوطن وفي كل يوم ولحظة الشكر والحمد والثناء لله سبحانه وتعالى، واسترجاع ذكرى كفاح الملك المؤسس ومتابعة أبنائه البررة للمحافظة والبناء، ولنستلهم منها الدروس والعبر لنحافظ جميعاً أفراداً وجماعات على استمرار فصول قصة الوطن التي تعبر عن ملحمة بناء وتجربة فريدة لنماء والعطاء تم فيها إرساء القواعد لحياة حاضرة مزدهرة وغد مشرق في وطن متحد في جغرافية المكان وامتداد الزمان ورسوخ البنيان. إن جوانب وعناصر هذه الحياة والبناء أكبر من أن تحصى في جميع المجالات الأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والعمرانية، والخدمية، والتقنية، والمعرفية. نسأل الله العلي القدير أن يديم على وطننا الغالي نعمة الإسلام والسلام والأمن والأمان، وأن يظل الله برحمته ومغفرته الملك المؤسس وأبنائه الذين انتقلوا إلى جوار ربهم وأن يعين القائمين على هذا الصرح في استمرار مسيرة العطاء والبناء إنه سميع مجيب الدعاء.
* رئيس مجلس إدارة الجمعية الجغرافية السعودية
Makki14@live.com