|
حوار - سلطان المهوس
مضى قطار العمر سريعاً لتفقد المملكة العربية السعودية رجلاً نادر المواصفات والوطنية.. عاش شامخاً ومات شامخاً، بعد أن ألهب بكفّيه خيوط التاريخ الرياضي السعودي معلناً انطلاقة الأساس الكروي بالبلاد رائداً للرياضة في المنطقة الوسطى مؤسساً لناديي الهلال والشباب ومترئساً للنادي الأهلي بجدة وشيخ انطلاقة الرياضة ومنافساتها، متصدياً لكل الظروف والمنحنيات، بقلب رجل حكيم وسياسي استطاع أن يعبر بالوجود الرياضي لحيّز الواقع دون أي منغصات، لتكون رياضة الوطن بسواعد قياداتها أحد أهم صروح الوطن والوجه المشرق بالإنجازات والحضور العالمي اللافت.. عبد الرحمن بن سعيد... يكفي أن تقول هذا الاسم لتشعر بقيمته لدى كل المجتمع السعودي.. قامة عاشت للعمل الناجح وتصدّت لميادين خدمة الشباب الرياضي، وأفرزت أجيالاً متلاحقة من رياضيي الوطن، وحفظت التاريخ الرياضي من العبث والتزييف، إذ كانت يراعه - رحمه الله - تخطّ كل شيء وتوثّق كل شيء حفظاً للحقوق، ولكي تعرف كل الأجيال تاريخها الرياضي الحقيقي.. إنسان ليس كالآخرين، فقد بقي محتفظاً بتواضعه ولباقته وحضوره البهي، حتى وهو يعيش ظروفه الصحية الصعبة.. كان آخر ظهور له في مكتب صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل، إذ حرص على تهنئته بثقة خادم الحرمين الشريفين بتعيينه رئيساً عاماً لرعاية الشباب..
صحيفة (الجزيرة) هي الصحيفة التي فتح لها الفقيد الغالي عبد الرحمن بن سعيد في آخر حواراته الإعلامية قلبه قبل وفاته، متحدثاً عن النادي الذي أسّسه وترأسه، ليصل إلى أن يحقق لقب نادي القرن في القارة الآسيوية، ومفنداً بالحقائق تاريخ الهلال وإنجازاته، وممتدحاً صحيفة الجزيرة ورئيس تحريرها الأستاذ خالد المالك، الذي وصفه بالإنسان الصادق دائماً، ومهدياً كتابه (الهلال) لكافة جماهير الهلال، إذ يحتوي على تاريخ كافة مشاركات نادي الهلال بالتاريخ والأسماء، وأسماء حكّام المباريات ومسجّلي الأهداف واسم الملعب، وغيرها من البيانات الدقيقة غير القابلة للشك.. ابن سعيد خطّ بيده ولأول مرة بطلب من الجزيرة، رسالة لجمهور نادي الهلال، وبخطّه الجميل جداً كتب (جمهور الهلال أنتم في قلبي) وهي عبارة تكفي عن ملايين التعابير... كان حواراً ممتعاً في بهو فندق الشيراتون بالعاصمة القطرية الدوحة، حيث حضر ابن سعيد - رحمه الله - لحفل تكريمه بوسام الخدمة الذهبية للرياضة الآسيوية، حيث لم يخف سعادته بالتكريم مع رفيقيْ دربه محمد جمعة الشبابي الشهير والوحداوي الصميم عبد الوهاب صبان.. كان لقاءً يمكن أن أصفه شخصياً بأنه صفحة ناصعة من تاريخي الإعلامي، رغم أنّ الظروف لم تمكني من أن أنشره في حينه، وكم كان دمعي يسابق حرفي وأنا أكتب عن سيرة هذا الرجل والحوار معه، إذ كان رجلاً لابد أن تحبه بجنون عندما تعرفه.. فإلى الحوار:
بداية باسم صحيفة (الجزيرة) شكراً لك يا أبا مساعد على الموافقة على إجراء الحوار؟
- أنتم تستاهلون جريدة صادقة يقودها رجل صادق هو خالد المالك وأنتم معروفون بالدقة والحرص على خدمة الأندية السعودية.
مادامنا في الأجواء الآسيوية.. كيف تشعر وأنت تكرم من قِبل الاتحاد الآسيوي بوسام الخدمة الذهبية للرياضة الآسيوية خاصة وأنت لم تكرم محلياً؟
- أنا لا يهمني يا سلطان أي تكريم.. تكريمي الحقيقي هو حب الرياضيين وجمهور الهلال لكني فرحت جداً برؤية محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، لأن هذا الرجل الذي وصل لرئاسة الاتحاد الآسيوي كان يأتي مع والده همام ليحضر تدريبات فريق الشباب في آخر سنة لي برئاسة النادي قبل تأسيس الهلال أي عام 1376هـ، وقد غاب طويلاً بعد أن ذهب للدراسة بالخارج والآن أنا أشاهده من جديد وهو أمر مفرح لي.. إنه أحد رواد الحركة الرياضية بالقارة ومكانه رئيساً للاتحاد الدولي لكرة القدم.
كيف كانت مقابلتك مع ابن همام بعد هذا التاريخ؟
- كان لقاء حاراً وقد أحسست بحفاوة ابن همام وكرم أخلاقه وأنا أشكره جداً على التكريم وهذا اللقاء الجميل.. صدقني أنا احب هذا الرجل وقد حرصت رغم ظروفي الصحية التي يعرفها الكل أن آتي للقاء ابن همام فهو محب للسعودية، ويكفي أنه خريج مدينة الرياض .. قالها ضاحكاً..
عرض عليك ابن همام أن يتم تكريمك من قِبل الاتحاد الآسيوي في منزلك ورفضت.. لماذا؟؟
- نعم عرض عليّ ابن همام ذلك وأنا أقدّر هذا الشيء، لكنني حضرت للدوحة من أجل لقائه بعد هذه المدة الطويلة جداً، ولكي أعيد ذكريات بداياته وهو يتفرّج على التدريبات عام 1376هـ قبل تأسيس نادي الأولمبي (الهلال) بعام واحد فقط.
التاريخ فاضح الكذابين
في أغلب دول العالم يتفقون على تاريخهم الرياضي بنسبة كبيرة فيما نحن نتصارع ونشكك ونزيد وننقص بحسب الأمزجة والأهواء.. أنت خبير بتاريخنا الرياضي وبدايته إلام تعزو سبب تعرية التاريخ الرياضي السعودي وعدم الاتفاق على مراحله وتفاصيله؟؟
- شوف يا سلطان.. كل شيء يمكن العبث فيه والكذب إلا التاريخ لأنه مهما طال الزمن ينفضح من يكتب التاريخ محرفاً، فالناس شهود والحقائق لا يمكن أن تدفن مهما كان، والأمر عندنا مشوه بسبب الأهواء والميول فقط لا غير، أما التاريخ الحقيقي فيعرفه جميع من عاصروه، لكن من المؤسف أن الميول تلعب دوراً في ان يقوم البعض بإخفاء بعض الحقائق والحمد لله انني وفقت في كتابة التاريخ الرياضي في المنطقة الوسطى وتاريخ نادي الهلال ومراحل بداية الرياضة ودوّنتها بدقة وهي موجودة وموثقة.
تعني أن التاريخ مدوّن لديك ولم تظهره حتى اللحظة؟
- نعم عندي التاريخ ولم أظهره ولديّ تفاصيل هذا التاريخ وأجزم تماماً أنها معلومات لا يملكها أي أحد.
لماذ لم تظهر هذا التاريخ وتنهي مسألة الخلافات في هذا المضمار للأبد؟
- هناك من لن يقبل بالتاريخ وإثباتات كل المراحل ومن يريد الاطلاع فمنزلي مفتوح وإن كان قصدك إنهاء التشكيك بالتاريخ فهذا غير وارد إطلاقاً، لأن هناك مرض الميول والتعصب الذي يقتل حتى أساس الأشياء وهو تاريخها ولهذا لن أعرض تاريخي الذي كتبته بالعرق والمتابعة وبخط اليد لعبث المتعصبين بل سيكون إرثاً يفاخر به أبناء بن سعيد طول الحياة والحمد لله ان تاريخ نادي الهلال موثق تماماً منذ التأسيس وحتى اللحظة، فقد حرصت على ذلك حتى لا يطوله يوم ما عبث هنا أو هناك.
كلامك مقنع لأني أحس بمدى تعبك وخوفك لكن يتبادر في ذهني سؤال شيخ الرياضيين أبو مساعد.. ألم تخاطبك الجهة الرياضية الرسمية (رعاية الشباب) لأخذ هذا الكنز وتوثيقه وطباعته كمرجع أساسي للرياضة السعودية؟
- في عهد الأمير فيصل بن فهد جاءني في منزلي شخص اسمه علي العلي كان يعمل في قسم الإعلام بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكان الوقت عصراً في شهر رمضان، وقال لي: أنا جاي لك من الأمير فيصل بن فهد ومعي خطاب موقع باسمي نطلب منك إعطاءنا ما عندك من التاريخ الرياضي الذي وثقته لأننا سنصدر كتاباً باسم الرئاسة العامة لرعاية الشباب عن تاريخ الرياضة السعودية..!!
حقيقة - الكلام لابن سعيد - تفاجأت من طلبه وقلت له: أولاً الخطاب منك أنت وثانياً أنا ما بيني وبين الأمير فيصل بن فهد حجاب من المفترض أن يصلني خطاب من سموه أو يكون بيننا حديث هاتفي، وطلبت منه أن يضع خطابه بجيبه وينهي الموضوع، وقد رفضت إعطاءه أي شيء لأني طلبت لحظتها منه أن يهاتف الأمير فيصل بن فهد، وقد اعتذر لأن الوقت غير مناسب، لأني أعرف تماماً أن الأمير فيصل بن فهد لو أراد شيئاً مني لهاتفني - رحمة الله عليه -، لكن هناك من يعتقد أن التاريخ وكتابته وتوثيقه أمر هين سهل المنال وهذا غلط يا سلطان.. التاريخ يجب أن يحفظ بالعيون والقلوب لأنه سر الاستمرار بالنجاحات.
ستة مجلدات ووثائق فيها كل شيء
ماذا لديك من تاريخ الحركة الرياضية السعودية... هل وصلت للنهاية في كتابة هذا التاريخ أم مازلت تدّون؟
- التاريخ لا يتوقف والآن أصبح تدوين التاريخ الرياضي يسيراً بفضل التقدم العلمي والتقني ليس كما السابق يحتاج لشهود وإثباتات وأوراق وغيرها.. أنا لديّ ستة مجلدات كاملة بالتفصيل لكل المسابقات السعودية دوّنتها وحفظتها للتاريخ باليوم وأسماء الفرق واللاعبين والحكام ومسجلي الاهداف، كما لديّ وثائق ومحاضر إدارية وصور قرارات رسمية وصور فوتغرافية، وأشياء كثيرة جداً أحمد الله عز وجل أنها مصدر ثقة لكل ما كتبت ودوّنت.
هؤلاء مفلسون..!!
مادام التاريخ موثقاً لماذا تخرج أصوات تشكّك فيه وتطعن بنزاهته في المجتمع الرياضي السعودي وتحديداً المنتمون للأندية؟؟
- هؤلاء مفلسون لا إثباتات لديهم ولا وثائق ولا أي شيء ولهذا يطعنون بكل شيء لأنهم لا يملكون الحجة فقط يحاولون تخريب التاريخ من أجل التعصب.
الالتزام سر بقاء الرياضة..!!
تأسيس الرياضة كان منعطفاً جديداً لساحة الواقع السعودي أيام السبعينات.. كيف استطعتم أن تتجاوزا بالرياضة لتكون واقعاً مؤثراً رغم عدم كونها أولوية في ذاك الوقت؟
- بالالتزام التام بكل آداب وعادات وأوامر الجهات الحكومية وغيرها فقد كنا نصلي جماعة وحرصت كثيراً على أن يكون ذلك من أولويات كل اللاعبين، كما أننا نراعي كافة نصائح وتوجيهات أهل العلم الشرعي آنذاك، والحمد لله ان أبحرنا بالشباب والرياضة، وأوصي الجميع بالالتزام لأنه سر النجاح في كل شيء.
الهلال .. سر النجاح الهائل
اسمح لي يا شيخ عبد الرحمن ان أبحر معك في بحر تعشقه ويعشقك.. الهلال... التاريخ الذي أسسته وعشت لتفرح باختياره فريق القرن بالقارة الآسيوية وزعيم كل البطولات السعودية.. سأسالك أولاً عن النوايا الحسنة وارتباطها الأبدي بالإنجازات.. هل يمكن ان يحدث ذلك دائماً؟؟
- نعم يا سلطان النوايا الحسنة والمعاملة الطيبة والعدالة وإعطاء الحقوق والأخلاق الرفيعة هي من صلب أساسات الإنجازات لأن التوفيق بيد الله عز وجل والله يحب أصحاب النوايا الحسنة ويكرمهم دائماً... دعني أعطيكم مثلاً على النوايا الحسنة وتأثيرها على حدوث التوفيق.. في بطولة النخبة بسوريا (2001م) حضر الفريق الهلال متفرجاً لآخر مباريات الدورة بين فريقي النصر السعودي الجيش السوري والفائز منهما يأخذ الكأس والبطولة وتحصل الفريق النصراوي على ضربة جزاء في آخر الدقائق كانت كفيلة بأن يحقق النصر البطولة ولم يتوفق لاعبهم البرازيلي بتسجيلها وانتهت المباراة بالتعادل لينزل الهلال من الباص ويأخذ الكأس بتوفيق من الله عز وجل، وأزيدك أيضاً أن ركلة الجزاء صدها الحارس وارتدت للاعب نصراوي وسددها فوق العارضة.. إنها النوايا الحسنة والتوفيق من عند الله وهذا ليس قصوراً بالفرق الأخرى إطلاقاً، بل أؤكد أن الهلال مدرسة في جميع مناحي الحياة الرياضية الأصيلة ومستمر بذلك مهما تعاقب الرؤساء ولله الحمد.
بصراحة.. هل تتأثر حين ينهزم الهلال؟
- أنا لديّ مبدأ وقناعة تامة.. إذا كان الهلال في يومه فلن يوقفه أحد مهما كانت قوّته وأما إذا كان في لحظة انعدام وزن فيسنهزم.. وقلبي حديد والحمد لله ما يتأثر إطلاقاً لأني أثق بالهلال دوماً.
100 مليون ريال قيمة الهلال الحقيقية؟
عام 1377م عندما كان الأولمبي هو اسم الزعيم قبل تغييره عام 1378هـ إلى الهلال كانت مصروفات النادي شحيحة جداً ومحدودة وبالقطة أحياناً تمشون أموركم.. كيف تعيش واقع توقيع الهلال لعقد رعاية مع الشريك الاستراتيجي يصل لثمانين مليون ريال، وهو أعلى رقم يقدم لنادٍ سعودي منذ تأسيس الرياضة السعودية؟؟
- الحقيقة يا سلطان أنا لم أحلم بهذا الرقم إطلاقاً ولم أتخيل ان يأتي يوم ما يشتري فيه الهلال لاعباً بحوالي الخمسين مليون ريال.. إنه إعجاز وإنجاز وقيمة عقد الهلال الحقيقية الآن مع موبايلي لابد أن تصل لمبلغ مئة مليون ريال (100.000000) فهو الرقم الواقعي لما يقدمه الهلال من إنجازات ولجمهوره الكبير جداً جداً.
قلب الهلاليين واحد
بعيداً عن النوايا الحسنة.. هناك هدوء كبير داخل مطبخ العمل الإداري والشرفي بنادي الهلال ربما منذ تاريخ تأسيسه فلا خلافات ولا مشادات إعلامية إلا في أوقات نادرة جداً جداً.. ما سر التماسك الهلالي طوال تلك السنوات؟
- الهلال اسم كبير ونادٍ مهيب وعظيم، كل ميزة رجالاته التماسك والاحترام المتبادل، يتم تداول الأمور بين الجميع بكل ديموقراطية والكل يقف مع الفرد مهما كان اسمه وأنا دائماً أوصيهم من باب المحبة للهلال ولهم بالاستمرار بالتماسك وصفاء النوايا وكل واحد منهم لابد أن يضحي للثاني من أجل الهلال لأن النادي ملك لكل واحد منهم وملك لكل فرد من الجماهير، والحمد لله طبع الهلاليين ما يتغير وهذه الميزة ما تجدها إلا بالهلال.
كلهم في القلب
أسألك وأرجو ألا تجاوبني بدبلوماسية.. من أقرب الرؤساء الهلاليين لقلب عبد الرحمن بن سعيد؟
- والله إني أعتبرهم بلا استثناء أولادي وأصدقائي وأخاف عليهم وأدعو لهم بالتوفيق وأفرح إذا شفتهم مع بعض متجمّعين في التدريبات أو أي مكان.. أحس أن الهلال بخير ونعمة الله لا يغيرها.
عودة للتاريخ
سأعود مرة أخرى للحديث عن التاريخ وتحديداً تاريخ البطولات والإنجازات إذ يشكك (البعض) برسمية إدخال بعض البطولات في سجل الإنجازات الهلالية معتبرين أنها بطولات ودية أو ذات طابع زمني محدد كبطولة المؤسس أو بطولة الإرهاب أو الخطوط السعودية والسوبر السعودي المصري.. كيف ترد على ذلك؟
- هؤلاء من تسميهم البعض يريدون أن يلعب الهلال مع كل فرق السعودية في كل بطولة حتى يقتنعوا ببطولاته، بعد أن عجزوا عن مجاراة عدد إنجازاته فأي فريق يحرز بطولة مهما كان اسمها هي حق من حقوقه التاريخية وملك لأجياله وتاريخه، فكل البطولات الهلالية رسمية معترف فيها وجاءت أنظمتها وفق موافقات رسمية بل حتى البطولة التي لعبت فيها كل الفرق السعودية (بطولة كأس المؤسس) حصل عليها الهلال.. كيف لا يعترفوا ببطولات تقام بين الجماهير ويتنافس على خطفها فرق كبيرة ومؤثرة وما ذنب الهلال انه البطل لهذه البطولات.. هذه بطولات ملك لتاريخ الهلال ولجماهيره وهذا هو الأهم أما تاريخ هؤلاء (البعض) فهم أحرار بصياغته وفق ما يريدون.
النادي الملكي وسرّ التغيير
تتباهى كثيراً شيخ عبد الرحمن لكون الهلال هو النادي السعودي الوحيد الذي تم اختيار اسمه بأمر ملكي من قِبل المغفور له بإذن الله الملك سعود بن عبد العزيز.. حدثنا عن تلك اللحظة الرائعة بتاريخ الهلال؟
نعم يحق لنا كهلاليين أن نتباهى بالاسم الملكي، وحكاية الاسم بدأت عندما حضر الشيخ عبد الله السالم الصباح ضيفاً على الملك سعود عام 1377م وقد طلب الملك سعود رحمة الله عليه أن يقام لضيفه حفل كبير، وكان من ضمن فقرات الحفل إقامة مباراة بين فرق الأولمبي والشباب والأهلي والكوكب وفي سبيل التجهيز لهذه المباراة اجتمعنا في منزل صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز، وقد اشترطت أن يكون فريق الأولمبي وفريق الشباب فريقاً واحداً ضد خليط فريقي الأهلي والكوكب، حيث إن المباراة واحدة فقط ولعبنا المباراة وسجل محمد كوش هدفاً فقال المعلّق سجل للأولمبي والشباب الفريق الأول الكوش على الفريق الثاني الأهلي والكوكب..!!
ويضيف ابن سعيد: اندهش الملك سعود رحمه الله من وجود اسم لفريق سعودي اسمه الأولمبي وقال: من سمّى النادي باسم غير عربي؟
قالوا: ابن سعيد..!!
قال: نادوه..!!
حضروا وقالوا لي جلالة الملك يقول ليش تسمي الأولمبي بهذا الاسم غير العربي ويبغاك تجي يمه..!!
قلت: تكفون أرجوكم قولوا ما لقيناه وأنا بدور مخرج إن شاء الله.
من بكرا جاء ابن دغيثر أمين سر ديوان الملك سعود وقال لي لازم تروح للملك ترى يمكن يحل الفريق..!!
توكلت على الله ورحت للملك سعود ووقفت أمامه وكان موقفاً مهيباً جداً وقال لي رحمه الله: وش عندك يا وليدي؟؟ كان لطيفاً معي للغاية كعادته مع كل الناس.. قلت أبدا طال عمرك سألت عني أمس بالمباراة..!
قال الملك سعود: هو أنت.. هالحين الرسول عربي من عندنا والدين عندنا وتسمي الفريق باسم غير عربي..؟؟
طلب مني الملك أن أغير اسم الفريق وأن أرسل له الأسماء المقترحة فاخترت ثلاثة أسماء هي (الوحدة - اليمامة - الهلال) وفعلاً أرسلت الأسماء ببرقية للملك سعود الذي كان في معسكر استجمامي قرب الكويت وحطينا البرقية بالشنطة الرسمية اللي توصل الخطابات لجلالته وكان ذلك يوم 10-4-1378هـ ولم يصلنا الرد سريعاً، حيث خفت أن يكون الرفض هو مصير برقيتي حتى جاء يوم 21 - 5 - 1378هـ حين بحث الساعي عني وقال لي: لك برقية من جلالة الملك.. وكنت خائفاً من مضمونها ولما فتحتها وجدت أن الملك رحمه الله اختار اسم الهلال وجاء نص البرقية (اطلعنا على ما جاء في خطابكم المرفق فيه بيان بالأسماء التي اقترحتموها وترغبون توجيهكم بما نراه مناسبا, يسمى ناديكم بالاسم الثالث في خطابكم «الهلال»)
فاعتمدوا ذلك
التوقيع سعود
التاريخ 21 - 5 - 1378هـ
كتاب (الهلال) جاهز للطبع
تاريخ الهلال المدوّن بكل تفاصيله الدقيقة لديك شيخ عبد الرحمن.. متى يرى النور.. كل الجماهير الهلالية مشتاقة لمصافحة تاريخ ناديها العريق؟
- قريباً جداً سيرى النور لقد أكملت كتابة تاريخ (الهلال) بخط اليد والوثائق والمخاطبات والمراسلات والصور منذ كان اسمه الموظفين ثم قبل الانفصال (الشباب) ثم الأولمبي ثم الهلال، وأنا اجتهدت وتعبت كثيراً من أجل هذا الكتاب ليكون مرجعاً تاريخياً لكل الهلاليين وكل جماهير الهلال تستحق أن نتعب من أجلها والتاريخ لا يمكن العبث فيه أبداً.
سيول الدهام أخفت تاريخ رعاية الشباب.!!
هناك سؤال هام يدور بأذهان الكثير من المهتمين بالتاريخ الرياضي السعودي.. أين هي وثائق وتاريخ الرياضة السعودية داخل المؤسسة الرسمية.. الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟؟
- صمت برهة ثم قال: كانوا معتمدين على الأستاذ عبدالرحمن الدهام بهذا الموضوع والدهام يقول - إن صحت الرواية - إن السيل أعدم وثائق الرئاسة..!!
هل هذه الرواية صحيحة؟
- لا أستطيع أن أقول نعم أو لا فقد تكون من باب المداعبة، لكن لو عندهم تاريخ لأخرجوه وعموماً أنا لا أهتم بهذا الأمر.!
الساعاتي يستحق الثقة
بمناسبة الحديث عن التاريخ.. من تثق بتميزه من المؤرّخين الرياضيين السعوديين خاصة وأن البعض أخذها من باب العناد والإثارة الإعلامية؟
- المؤرخ أمين ساعاتي.. رجل يكتب التاريخ جيداً ويسأل ويمحص ويتعب كثيراً من أجل كتابة المعلومة الصحيحة الدقيقة وهو يمتلك الأدوات التاريخية المتكاملة.
هناك من يعاتب رؤساء الهلال لأنهم لم يقيموا حفل تكريم يليق بشخصيتك وتاريخك كمؤسس للهلال.. هل يقلقك ذلك؟
- للتاريخ فكل رؤساء الهلال أرادوا تكريمي والاحتفاء بي لكني كنت أعتذر عن أن تكريمي الحقيقي ينطلق من جمهور نادي الهلال ومحبيه الذين كلما شاهدتهم وهم يتضاعفون كل عام أحسست بقيمة الحب والاحترام.. صدقني لا اقولها مجاملة أنا دائماً مكرم من الهلاليين.
كيف ترى إدارة الأمير عبد الرحمن بن مساعد كوننا نتحدث عن عهد إدارته؟
- كل رؤساء الهلال مميزون والأمير عبد الرحمن إنسان طيب وكفاءة عالية ويحب العمل المنظم وقد كسبه الهلال رئيساً رائعاً وهو شخص محبوب من الجميع ويجبر الجميع على حبه، كما لا أنسى الأمير عبد الله بن مساعد فهو إنسان يساوي وزنه ذهباً قدم للهلال رؤى وخدمات أوصلته لأن يكون النادي الأغنى بالسعودية والجميع فيهم الخير والبركة.
هل سبق وأن مررت بلحظات مريرة مع الهلال؟
- أصحاب النوايا الحسنة لا يذوقون المر أبدا لأنهم متصالحون في كل الأوقات والظروف، وأنا يعجبني الجمهور الهلالي لأنه مثقف وواعٍ، فالفريق عندما يخسر تجد الجمهور يقف معه حتى وإن كان عاتباً وبقوة على اللاعبين، لأن الأهم هو الهلال أولاً وأخيراً.
جمهور الهلال ..
شيخ عبد الرحمن لو طلبت منك أن تكتب بخط يدك لجمهور الهلال.. ماذا ستكتب؟؟
- جمهور الهلال لا تكفيه كل الكلمات لكن سأكتب (جمهور الهلال في قلبي) وهذا يكفي.
الجزيرة .. عنوان الصدق الدائم
أخيراً يا أبا مساعد أشكرك من أعماق قلبي على هذا الحوار الجميل وبالنيابة عن كل زملائي بجريدة الجزيرة، أتقدم لك بجزيل الامتنان وأدعو الله لك بالتوفيق والنجاح.
- شكراً لكم وأرجو إبلاغ سلامي وتحياتي للرجل الصادق خالد المالك رئيس التحرير، وصحيفة الجزيرة دائماً صادقة وهي محبوبة عندي، والأكيد أن لها مكانة خاصة عند كل الرياضيين، وأنت يا سلطان إنسان مخلص أتمنى لك التوفيق دائماً.
***
لقطات .. لقطات
- اللقاء تم في فندق شيراتون الدوحة أثناء تكريم الفقيد بجائزة الخدمة الذهبية الآسيوية.
- قال بأنه لا يحمل أي ضغينة أو كره لا أي إنسان ومؤمن تماماً بأنّ النجاحات هي توفيق من عند الله.
- لا يمكن بأي حال من الأحوال إلاّ أن تحب هذا الرجل عندما تلتقيه، فهو إنسان مرح ودقيق في إجاباته وأحاديثه ولبق في تعامله حتى مع عامل المطعم داخل الفندق.
- حفاوة كبيرة جداً لقيها الفقيد من كافة القطريين ابتداءً من المطار وحتى العودة للرياض.
- لديه غيرة غير طبيعية على التاريخ فهو يعتبره أحد أبنائه ولا يرضى بأن يمسه كائن من كان.
- ننشر الحوار بعد تأخير خارج عن الإرادة المهنية ولظروف استوجبت ذلك.
- اللهم ارحم الفقيد واغفر له واعف عنه ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأدخله الجنة مع الأبرار.. عاش إنساناً يحب الخير ويعطف على المحتاجين وكان قلبه متسعاً لكل الناس.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }