منذ بداية التسعينات والمرأة في أفغانستان تعض على يدها من ويلات قهر نظام طالبان الذي ظهر على هيئة إسلامية، في حين أنه في واقعه بعيد كل البعد عن الإسلام الذي أتى به محمد -صلى لله عليه وسلم- وصحابته من بعده. وظهر رجال طالبان نتيجة لتفسيرات خاطئة للنصوص الدينية، وهذه التفسيرات الخاطئة أفرزت الكثير من عناصر التطرف في كافة بقاع الدول الإسلامية، وأساءت لديننا السمح أولاً.
نظام طالبان قام بحبس المرأة في بيتها، وهذا نتيجة أيضا للتفسير الخاطئ لخروج المرأة، ونظراً للسلطة المطلقة لهذا النظام فقد قاموا بإغلاق كافة منافذ الحياة في وجه المرأة، وإعادتها بالقوة إلى البيت. ونتيجة لهذا غرقت المرأة داخل قفص الجهل والفقر، بل والمرض لأن الطبيبات تم إجبارهن على المكوث في البيت، وقليلات اللاتي استجمعن شجاعتهن وذهبن إلى العمل فيما يسمى «القسم النسائي» الذي تم استحداثه في بعض المستشفيات. وفي هذه الظروف لا تجد المرأة المريضة طبيبة تعالجها، ولا يوجد علاج إلا لدى طبيب رجل الذي لا يستطيع أن يعالج المرأة إلا بكامل لباسها، وبذلك يصعب عليه التشخيص الطبي، مرضت النساء وزاد عدد الوفيات بينهن. لم يعترف نظام طالبان بكل هذه الجرائم فهو يعتقد أنه بذلك يحمي المرأة ويحافظ عليها ويصون كرامتها، ولم يأتِ بهذه التصرفات من فراغ بل كان يستند على نصوص شرعية وأدلة وبراهين تشرعن ذلك الظلم الموجه ضد المرأة! علما بأن هذه الأوضاع لم تعتد عليها المرأة الأفغانية التي ساهمت بشكل كبير في نهضة مجتمعها، فكانت تعيش حياة سوية قبل احتلال بلادها من قِبل حكومة طالبان، إذ شاركت في الانتخابات في العشرينيات من هذا القرن، وتمتعت بقوانين لا تُميز ضدها على أساس الجنس، وتفوقت نسبة النساء على الرجال في مواقع العمل والحياة العامة.
لم تسلم المرأة الأفغانية من الاضطهاد، فحتى بعد أن تحررت بلادها من طالبان خرجت لها جماعات أخرى، مثل: «الجبهة المتحدة» التي لا تقل شراسة مع المرأة عن طالبان، بقيت المرأة أسيرة تحت وطأة هذا التمييز الإرهابي البشع والذي يستغل الدين لفرض سيطرته.
مع هذا كله، برزت النساء الناشطات وقاومن هذه الجرائم بكل صرامة وقوة فخلعن برقع الخوف، ونتيجة لهذه المواقف الشجاعة حصلت المرأة على بعض الحقوق المدنية ووصلت إلى مقعد الوزارة وخرجت عشرات المنظمات والجمعيات الأهلية التي تُعنى بحقوق المرأة والتي تحاول أن تضع برامجاً لتأهيلها على العودة والانخراط داخل مجتمعها، وكان من الصعب عليها أن تعود إلى الحياة العامة بعد سنوات طويلة من الأسر الإجباري، إلا أنها مع العزيمة والإصرار عادت لتُمثل المرأة المسلمة التي لم يحرمها دينها من المشاركة في كافة أوجه الحياة.
فيما ذكرت، هناك أوضاع قد تتشابه مع بعض ما يعيشه في وقتنا الحالي بعض المجتمعات الإسلامية، عندما يتحرك إخوان طالبان فتقوم بعض العناصر الفكرية المتطرفة بإحياء سلوكيات طالبان، ومحاولة إسنادها إلى نصوص دينية تُفسر وفق أهواء ذكورية بحتة لا تمت بصلة إلى ديننا الذي كرم المرأة ومنحها كافة حقوقها ويكفينا لو اتخذنا أمهات المؤمنين: خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- اللتان كانتا تمارسان الحياة العامة سواء الأعمال التجارية، أو السياسية. هذا التطرف الفكري يعبث كثيراً داخل بعض المجتمعات الإسلامية، ولا يحتاج منا للوقوف أمام تمدده إلا الوعي وقراءة النصوص الدينية بتجرد من أي موروثات سلبية.
www.salmogren.net