لماذا نعيش حالة بيروقراطية مزمنة في معظم قضايانا؟ هل انعدام الحس بالمسؤولية لدى الموظف الحكومي هو السبب؟ أم تقاطع الصلاحيات بين الجهات الحكومية بشكل مرهق هو ما يجعل بعضهم يتنصل من موضوع أو التشبث بآخر؟.
لا أعرف كيف جعلت أفكر في موضوع صغير جداً، كبر وكبر حتى أصبح بحجم كرة الثلج الضخمة، وصار أكثر تعقيداً من قضية فلسطين ومن الصراع العربي الإسرائيلي، ذلك الموضوع الصغير هو حالة استراحات الطرق البرّية بين المدن، والحالة المزرية فيها، هل تتخيل عزيزي القارئ أن هذا الموضوع الذي يمكن حلّه بقرار واحد، ومن جهة واحدة، وإنجاز هذا الأمر في ظرف سنة أو سنتين على الأكثر، أصبح من موضوعات مجلس الشورى الموقّر، ذلك المجلس الذي ننتظر منه وضع سياسات عامة للبلد، انصرف إلى مناقشة من المسؤول عن استراحات ومحطات الطرق بين المدن، هل هي وزارة النقل؟ أم الشؤون البلدية والقروية؟ أم هيئة السياحة والآثار؟ هل نتعامل معها كجزء من الطريق؟ أم أرض فضاء؟ أم مرفق سياحي؟.
تخيلوا هذا الأمر البسيط، هذا الموضوع الجزئي؟ وأقول جزئي لأنه جزء صغير من البلديات، وجزء صغير من الطرق البرّية، وجزء صغير من مهام هيئة السياحة والآثار، فماذا فعل مجلس الشورى الموقّر أمام هذا الحدث الجلل؟ قام بكل بساطة باقتراح إنشاء هيئة عامة مستقلة لمراكز الخدمة ومحطات الوقود، يا ساتر هيئة عامة كاملة مكمّلة لأجل خدمات طرق! هل نحن بحاجة إلى المزيد من الهيئات العامة؟.
ألسنا بحاجة إلى شركتين إضافيتين مع شركة ساسكو مثلاً؟ حتى لو اضطررنا إلى فتح المجال لشركة أجنبية أو أكثر، للاستثمار في هذا المجال، ألم يكن فتح المجال لشركات تنافسية متخصصة بخدمات مراكز الطرق هو الأسرع للإنجاز، بدلا من الدخول في دوامة إنشاء هيئة عامة، ستبقى سنوات طويلة وهي في طور التأسيس الإعداد، بينما نبقى نحن واقفين في عالم يتحرك؟.
أعتقد أن إنشاء المزيد من الهيئات، وتشكيل المزيد من اللجان وفرق العمل، وتحويل الموضوعات إلى مراكز دراسات كما لوكنا سننشئ مصنعاً نووياً، هو لا يعني أكثر من المزيد من البيروقراطية في بلد يعاني منذ عقود طويلة من ويلات البيروقراطية!.
يا جماعة، يا أعضاء مجلس الشورى، المواطن لا يريد سوى دورات مياه نظيفة، ومسجد نظيف، وغرف بمستوى ثلاث نجوم فقط، وتموينات توفّر المواد الغذائية الصالحة للاستخدام الآدمي، هل هذا أمر صعب؟ المواطن يريد أن يذهب أطفاله ومحارمه إلى دورات مياه محترمة ولائقة، بدلاً من الذهاب إلى الخلاء، هل هذا أمر مستحيل؟
هل يحتاج ذلك إنشاء هيئة عامة؟ وهل نتوقع، مثلاً، أن يتطور الأمر إلى أن تصبح وزارة مراكز الطرق والخدمات؟ وتصبح مهام الوزير مراقبة جودة الخدمة ونظافة دورات المياه والمسجد؟.
ألا ينظر هؤلاء، ليس إلى الخطوط السريعة في أوروبا، بل حتى في الدول المجاورة كيف تطورت مراكز خدمة الطرق فيها بشكل مذهل؟ أرجو ألا يقول أحد بأن هذه الدول صغيرة، ونحن مساحة بلادنا مليوناكيلومتر مربع، دعونا نبدأ في تنفيذ خدمات طريق سريع واحد، وننجز تطويره في عام واحد، حتى نثق بمستوى الخدمة وتطورها، ثم نقول: إننا نعمل، لكن مساحتنا الكبيرة تحتاج إلى بعض الوقت.