أكد محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه، فهيد الشريف، لصحيفة «اليوم» بتاريخ 30-7-2011 بأن المنطقة الشرقية «حققت الاكتفاء الذاتي من المياه المحلاة».. أختلف مع تصريحات المحافظ، فبعض مدن المنطقة الشرقية ما زالت تعاني من نقص المياه المحلاة، وبعضها يُعاني من ارتفاع نسبة الخلط بمياه الآبار.
الاكتفاء الذاتي من المياه المحلاة يعني عدم حاجة السكان لتوفير المياه من مصادر أخرى خارج الشبكة، وتعني أيضا الاستغناء عن مياه الآبار المالحة، أو الاعتماد على نسبة مقبولة منها لدواعي الخلط؛ وهذا ما لا يتوفر في بعض مدن الشرقية، وعلى رأسها الجبيل التي تعاني من عجز في المياه المحلاة بالرغم من اختضانها لأكبر محطتي إنتاج في المنطقة.
تتحمَّل مدينة الجبيل الضغط السكاني الناجم عن توسع منطقة الصناعات البتروكيماوية، وتعاني في الوقت نفسه من نقص الخدمات الرئيسة، وكمية المياة المتاحة. يَبلُغ تعداد سكان الجبيل (البلد) 400 ألف نسمة؛ ووفق معادلة التخصيص المعتمدة يُقدر احتياج المدينة بـ 100 ألف متر مكعب من المياه المحلاة، إلا أن ما تحصل عليه حالياً لا يتجاوز 60 ألف متر مكعب.
أعتقد أن محطة «جواب» التابعة لشركة مرافق، والمزود الرئيس للمؤسسة، قادرة على سد عجز المياه بالجبيل، إلا أن التنظيم الإداري المُتضاد بين مدينة الجبيل، والجبيل الصناعية، والفصل الخدمي بينهما، أدى إلى حدوث أزمات متتالية ليس في قطاع المياه فحسب، بل في جميع الخدمات الأخرى؛ شركة مرافق معنية بشؤون المياه والصرف الصحي في مدينة الجبيل الصناعية، في الوقت الذي تُشرف فيه وزارة المياه ممثلة في المديرية العامة للمياه على مدينة الجبيل؛ وهذا الانفصام الإشرافي تسبب في خلق الأزمات، وإحدث هوة تنموية سحيقة بين مدينتين متلاصقتين يفترض أن يحصل سكانهما على خدمات متطابقة تُحقق العدالة التنموية لسكان المدينتين.
أزمة التلوث الناجمة عن عدم قدرة الوزارة على إدارة شبكة الصرف الصحي في الجبيل وتطويرها بما يتوافق مع النمو السكاني الكبير، لا تقل خطورة عن أزمة المياه. فوزارة المياه لا تمتلك محطات معالجة في المحافظة ما فرض عليها الاعتماد على شركة مرافق لمعالجة مياه الصرف الصحي في المدينة. محافظة الجبيل حالة استثنائية بين المدن والمحافظات، والسبب وجود جهتين مستقلتين معنيتين بالمياه ومعالجة الصرف الصحي؛ الجهة الأولى المديرية العامة للمياه، وهي جهة حكومية مسؤولة عن توزيع المياه، والإشراف على شبكة الصرف الصحي، والجهة الثانية، وهي شركة مرافق التابعة للقطاع الخاص المسؤولة عن ضخ المياه، ومعالجة الصرف الصحي القادم من مدينة الجبيل. ازدواجية العمل في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة قطاع المياه في الجبيل، وبما يضمن تولي جهة واحدة مسؤولية الإشراف على توزيع المياه المُحلاة، وشبكة الصرف الصحي، ومعالجة تدفقاتها السائلة، لتحقيق الكفاءة، وتحديد الحاجات المستقبلية على أسس علمية، وتوحيد الدراسات الإستراتيجية، ووقف الهدر المالي، وتحقيق العدالة الخدمية بين المدينتين.
أعتقد أن إسناد مهمة الإشراف على قطاع المياه في الجبيل البلد لشركة مرافق، وتوحيد شبكتي المدينتين تحت إشراف الشركة، سيحقق الكفاءة المرجوة، وسيقضي على أزمات المياه والصرف الصحي في المدينة، وسيُعجل في خصخصة القطاع، وهو الهدف الذي تسعى الحكومة إلى تطبيقه مستقبلاً.
تولي شركة مرافق مسؤولية الشبكة الموحدة سيوفر على الدولة مصاريف ضخمة تتكبدها حالياً في الجبيل، وسيمنع ازدواجية العمل، وسيحقق الكفاءة التامة للشبكة.
توجه الحكومة نحو الخصخصة، وطرح قطاع المياه للشركات المساهمة يؤيد هذا الاقتراح، بل ربما كان تخصيص قطاع المياه في الجبيل أكثر سهولة من المناطق الأخرى لوجود شركة مرافق الرائدة والقادرة على تولي المهمة دون عناء. ملكية الحكومة لمرافق من خلال شركة سابك، أرامكو، الهيئة الملكية،
وصندوق الاستثمارات العامة يجعل أمر التخصيص بالإسناد أكثر سهولة، وكفاءة، وعدالة أيضاً، فمرافق شركة مساهمة تسيطر عليها الدولة، وتنوي طرحها قريباً كمساهمة عامة للمواطنين وهو ما يضمن تحقيق هدف الخصخصة مستقبلاً، وضمان جودة الخدمة للمواطنين، ووقف الهدر المالي الذي تُمارسه وزارة المياه في الجبيل دون أن تحقق الكفاءة المرجوة. الأمر يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء الموقر لإعادة هيكلة قطاع المياه في محافظة الجبيل، وتخصيصه بالإسناد لشركة مرافق.
f.albuainain@hotmail.com