الصَّلَفُ في اللغة: قِلَّةُ الخير، وعنوان هذه المقالة مَثَل عربيٌّ يُضْربُ لمن لا خيرَ فيه، وذلك، كما يقول الميداني في «مَجْمَع الأمثال» أن الملح إذا وقع في الماء ذاب فيه فلا يبقى منه شيء، ومنه: أصلفت المرأة، إذا لم يبق لها عند زوجها قدر ومنزلة. وأقول: ومنه - أيضاً- أَصْلَفَ الرجلُ إذا لم يبق له عند زوجته قدرٌ ولا منزلة، وينطبق هذا على كل من يفقد قدره ومنزلته عند أهله، أو جماعته، أو قومه، أو الأمة كلِّها، أو العالم كلِّه، وهي دركات يهبط إليها أهل الشر في الدنيا، كلٌّ بحسب موقعه ومسؤوليته.
خطر هذا المثل ببالي وأنا أتابع حزمة من الأخبار المتنوِّعة في الساعة التي أخصصها لهذا الغرض، أتنقَّل فيها بين القنوات التي تملأ الفضاء بين قديم وحديثٍ، وذوات البث التجريبي منها وهي كثيرة تتوالد كل يوم بصورة تلفت النظر.
في هذه الساعة الإخبارية الخاصة بي، سمعت أحاديث كثيرة، موزّعة بين أخبار مفصَّلة، وأخبار موجزة، وما وراء الأخبار وما أمامها، وما فوقها وما تحتها؛ من آراء المحلِّلين السياسيين والخبراء العسكريين، والمسؤولين كباراً وصغاراً، عرباً وعجماً، رجالاً ونساءً، ولفت نظري أن خمسة أسماء عربية تتكرر بصورة لافتة للنظر، سواء في سياق النشرات الإخبارية، أم في سياق ما يتبعها من برامج تحليلية للأخبار، أم في برامج سياسية بارزة، أم في برامج ثقافية وعلمية واجتماعية، أم في برامج اقتصادية، بل حتى في بعض برامج الأطفال، والبرامج الرياضية.
إنها أسماء رؤساء الدول العربية التي تقع تحت «طائلة» الفوران الشعبي الجارف «تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا».
كانت متابعتي دقيقة لما يُقال من آراء، وما يدور من أحاديث، كما هي عادتي في هذه الساعة المخصَّصة لهذا الغرض، وكان الحديث عن هذه الأسماء الخمسة لا يخرج - برغم اختلاف المتحدثين- عن اللوم، والتثريب، وإيضاح مظاهر طغيانهم، وظلمهم، وإراقتهم للدماء، ولاحظت أنهم يتفاوتون في هذه الجوانب، فالحديث يكون صارخاً جداً، غاضباً جداً من المتحدثين جميعهم، وفيهم المسلم، والنصراني، واليهودي، والعربي، والأعجمي، والعالم، والداعية، والسياسي، والاقتصادي والعسكري وغير ذلك، وذلك حينما يكون متعلّقاً برئيس ليبيا، ورئيس سوريا ويكون أهدأ بنسبة غير كبيرة حينما يكون متعلّقاً برؤساء تونس ومصر واليمن، ولكنهم جميعاً ينالون من العبارات والأحكام أسوأها وأشدها وأقساها، حتى إن بعض المتحدثين يتجاوز الحدَّ «المقبول» شرعاً وعقلاً وعرفاً في السبِّ والشَّتْم وعبارات التشفّي، حتى بعض الأعمال المقدّمة في بعض مجالات الخير، لا ينالهم منها إلا النقد لأنها في نظر المتحدثين من أموال الشعوب المنهوبة، فلم أسمع متحدثاً إطلاقاً في ساعة متابعتي هذه يقول لواحدٍ من هؤلاء -جزاه الله خيراً-.
هنا خطر ببالي هذا المثل «أَصْلَفُ من ملحٍ في ماء»، ثم إنني وجدت في هذا الاتفاق «العالمي» على النيل من هؤلاء الرؤساء ونقدهم، والدعاءِ عليهم، ما أشعرني بأنه من العقوبات الإلهية العاجلة في الدنيا، فهي تدبيرٌ إلهي لا علاقة لجهد البشر به، وهي من إهانة الظالمِ التي تتناسب مع ما ورد في الحديث الشريف من أن الله يُمهل الظالم لعله يتعظ ويعود عن ظلمه، حتى إذا أخذه «لم يُفْلِتْه»، وتأملوا معي جملة «لم يُفْلِتْه» بما لها من الظلال والإيماءات، ثم أسقطوها على ما تشاهدون بأمهات أعيُنكم كلَّ يوم، إن في ذلك عبرة وأي عبرة.
إشارة: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}.