خلال عقدين من الزمن أو يزيد، ارتمينا غير مرة، وشخصنا إلى تجارب دولية عديدة مطورة، في المجال الصحي، والزراعي، والتعليمي، والبيئي، والعمراني، والأمني.. مدفوعين إلى ذلك بإرادة سياسية قوية ومخلصة، تنشد التغيير، والتطوير، والتجديد، والإبداع، ولا أحد يشك في جدوى ذلك التلاقح والتواصل في الفكر، والرأي، والثقافة، وإن اختلف الأسلوب من مؤسسة إلى أخرى، تبعاً لوضوح الرؤية، ودقة أهداف تلك المؤسسة، وقدرة وكالات، أو وحدات (التخطيط والتطوير) فيها على رسم السياسات، وتحديد المسارات المستهدفة، أما في ظل غياب التخطيط الجيد والنوعي، والرؤية الواضحة تتحول تلك الخطوات والجهود إلى سياحة خارجية صرفة، تخضع الاستفادة لإرادة الفرد، ومقدار استثماره للوقت.
يممنا دولاً عديدة من بينها (كندا، أستراليا، اليابان، ماليزيا، تركيا..)، وأروع ما لديهم في أي مجال هو محاولة إقناع الوفود والزائرين أن تلك التجارب (نماذج مستقلة) من بنات أفكار مواطنيهم، وليست مقلدة، أو مجتلبة، وإن لم تكن في الحقيقة كذلك، لكن قوة الانتماء للبلد، والهوية، والاعتزاز بالمنتج أيّاً كان خلق هذا التفكير، أو الإحساس الإيجابي، بل إنهم يربطون تطويرها بمراحل تطور تاريخهم، والمراحل الانتقالية لمجتمعاتهم، وقلّما نجدهم يزدرون بعض مراحل تاريخهم، أو نتاج أجيالهم الماضية، أو يولون المشكلات والعقبات والمصاعب التي تواجههم في التطبيق مزيدا من الاهتمام في الطرح، والمناقشة. وفي إشاراتهم النادرة أحيانا إلى استفادتهم من الغير كذلك، قلما نجدهم ينتقصون أعمال الآخرين، أو يهمشونها، أو يقللون من جهودهم، أو منجزاتهم.
خلال العقدين الماضيين التي عاشتها (المملكة العربية السعودية)، ونتيجة ذلك الانفتاح، وتبادل التجارب والخبرات بين المؤسسات، لا أشك، بل أجزم أن هناك (نموذج مستقل) استطعنا أن نبنيه، أو أن نطوره، لكننا لم نستطع، أو لم نشأ أن نسوّقه بين الدول كنموذج يحتذى، يستحق أن يجذب الآخرين إلينا، ولا ندري في الواقع ما الآلية المناسبة لجمع تجاربنا ونماذجنا المستقلة المطوّرة بعقول أبنائنا وسواعدهم؟ وتحت أيّ مظلة ستكون؟ وبخاصة أن سمة تنازع المهام وتداخلها بين المؤسسات، لا تكاملها، قد تكون ظاهرة!!
قد نلمس بعض ما نريد في معارض (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) بوصفه جامعا بين الأصالة والمعاصرة في بعض النماذج، لكنها في الأغلب ترتكز على المقارنات بين مراحل التغيير التي عشناها، وعلى وصف مراحل التطوير والنهضة التي تمر بها هذه البلاد، لكن تلك التظاهرة رغم ذلك قدّمت (نماذج مستقلة) يستطيع الزائر المحلي، والوافد الأجنبي المنصف أن يكوّن (نوعا ما) تصورا يمكن الاعتداد به بين الدول، وتصديره بأي وسيلة.
(من الأدب)
لا عيب لي، غير أني من ديارهمُ... وزامر الحيّ لا تطرب مزامرهُ
dr_alawees@hotmail.com