أطل عبد الله بن عبد العزيز بهيبته المعتادة، في يوم أقل ما يقال عنه إنه يوم تاريخي، يوم دخلت فيه المملكة فصلاً جديداً حين أُشركت فيه المرأة في صناعة الرأي العام، وأعيدت لها مكانتها العالية التي كانت تحظى بها في عصر صدر الإسلام، حين كان يستشير سيد الخلق وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم زوجاته وبعض النساء المسلمات اللاتي عُرف عنهن رجاحة العقل، وقوة المنطق وبعد النظر والحنكة السياسية.. وامتد ذلك حتى بداية الدولة السعودية، حيث كان مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - يصدح بملء فمه قائلاً بفخر وعزة «أنا أخو نورة».
حين أعلن الملك عبد الله قرار إشراك المرأة في مجلس الشورى وحقها في الترشح والانتخاب في المجالس البلدية، كان هذا يوم عرس وطني لنا، فقد أطلقت فيه قرارات حكيمة من رجل حكيم، قرارات فارقة في تاريخ المرأة السعودية التي أثبتت جدارتها وأبهرت العالم بنجاحات متتابعة ومتفردة حققتها في الطب والفلك والأدب والتعليم، قائمة أسماء لامعة تتزايد كل يوم لنساء سعوديات كانت لهن علامات فارقة على مستوى العالم، العالم الذي مازال يتساءل حتى يومنا هذا: كيف استطاعت تلك المرأة التي تُعامل في كثير من الأحيان ومن قبل عدد كبير من البشر على أنّ مكانها بيتها، وفي وسط مجتمع سلبها كثيراً من حقوقها وأوهمها أنها جوهرة ثمينة يجب أن تبقى مسجونة وسط منزلها حتى صدقن كثير من النساء قبل الرجال ذلك ورضين بالواقع وتنازلن عن كثير من حقوقهن المشروعة فكيف لها أن تنجح وتتألق على الرغم من كل تلك المعطيات المحبطة؟!
سؤال صعب وجارح ولكنه يحمل في طياته قصة كفاح ونضال وتحدٍّ للذات قبل الآخر، فكما يقال: «عندما يبدأ صراع المرء بينه وبين نفسه حين إذن هو شخص يستحق الذكر». فكم هي قوية ومناضلة تلك المرأة السعودية التي نجحت على الرغم من كافة المعوقات وأثبتت أن طموحها أعلى من كل جدران التزمت الشاهقة.
فهاهي تحلق باتجاهات الأرض الأربعة لتتعلم وتؤكد أن طلب العلم ولو في الصين ليس حكراً على الرجال، تقطع الأميال إلى الولايات المتحدة وأستراليا والصين، فتحتضنها الجامعات العالمية وترحب بها فتعود إلى وطن يذكّرها في كل حين أنها أقل وأضعف، وأن تلك الشهادة اللامعة التي تحملها ستكون حبيسة الأدراج لأن آخرتها «بيت زوجها» أو لأن مجالات عملها محدودة وآفاق تقدمها معروفة.. إلا أن تلك الاسطوانة المشروخة لم تعد رائجة ولم تعد ترعبنا وتحبط عزائمنا لأن أمامنا وإلى جانبنا ملك أنصفنا وأعاد لنا ثقتنا بأنفسنا.. فلم تعد تلك الأموال الطائلة التي تصرفها الحكومة لتعليم بناتها في أفضل جامعات العالم ليعدن بشهادات مشرفة وأحلام جملية لغد أفضل، وصرف مليارات الريالات لإنشاء صرح تعلمي شامخ يحمل اسم امرأة عظيمة هي «نورة بنت عبدالرحمن» بلا فائدة أو قيمة، إنما كانت مرحلة مهمة لتأهيلهن للمشاركة في صناعة القرارات الكبرى، وقيادة دفة الإصلاح والتمنية بجانب الرجل، وعلى الرغم من أنف المشككين والممانعين والمقللين من شأن شقائق الرجال.. فلا خوف على حاضر ومستقبل المرأة حين يقول مليكنا وولي أمرنا أمام مسمع مرأى العالم «أننا نرفض تهميش دور المرأة السعودية في كل مجالات العمل»، ويضيف مؤكداً «من حقكم علينا أن نسعى لتحقيق كل أمر فيه عزتكم وكرامتكم ومصلحتكم».
من يباهينا بملك فذّ قل الزمان حقا أن يجود بمثله.. في عدله وفضله ووطنيته وحبه لشعبه في حكمته وحنكته وبعد نظره، في إيمانه التام والمطلق بالمرأة، وبأهمية دورها كونها نصف المجتمع والتي تلد وتربي النصف الآخر.
فمنذ توليه زمام الحكم -أيده الله- وهو يُفسح المجال لها رحباً لتأخذ مكانها الصحيح، مؤمنا بقدرتها وكفاءتها واستعدادها، وموقناً بأن هناك عين فاحصة، ورؤية ثاقبة، وروحاً دافئة ظل المجتمع لسنوات طويلة لم يبصر بها، ولم ينهل من معين وعيها ورشدها وحكمتها.
أخيراً.. المرأة اليوم تواجه تحدياً كبيراً بأن تثبت أنها بحجم الحدث ومستوى الطموح، بل وأكبر، بأن تؤكد أنها الأخت والأم والزوجة والمستشارة والعالمة والطبيبة والكاتبة والقادرة على التفوق والتألق مهما كان التحدي صعباً ومهما بدت الظروف ظالمة وقاسية.