أمام وزارة التربية والتعليم مهمة كبيرة جداً لإنصاف المعلم، الذي نادت بتسمية العام باسمه، وذلك بإعادة هيبته المفقودة، فلا أحد يريد المعلم الذي نعرفه في التسعينيات الهجرية، الذي يحمل بيده الخيزران وعصا المكنسة ولي الغاز، لكننا في الوقت ذاته، لا نريد أن تنتقل أدوات التعذيب هذه إلى الطلاب، وقد تحولوا إلى عناصر شقية، قادرة على تهديد المعلم وإهانته والعبث باستقراره وعطائه!.
وحين أتحدث عن هذا المعلم فأقصد به المعلم الجاد الحريص على مادته العلمية، الذي يحترم عقول طلابه، لا المعلم الذي يجلس أمامهم وعقله مغروس في جهاز البلاك بيري، فكثير من المعلمين الشبان الذين تم تعيينهم في مدن وهجر بعيدة، تعرّضوا في مقتبل حياتهم المهنية إلى تهديدات مباشرة بالسلاح الأبيض مرة، بل بالسلاح الثقيل أيضاً، خاصة في مراحل الثانوية وفي الهجر النائية.. هذا ما يخص حياته، أما سيارته فحدث ولا حرج، فهي منتهكة ومعرّضة للتهشيم، ما لم يتحمّل المعلم التأمين الشامل على سيارته!.
في عام المعلم يحتاج هذا الإنسان إلى بعض الأمان، والاحترام من طلابه ومن إدارته، كي ينتج بشكل أفضل، وفي بيئة صالحة للإبداع والابتكار، يحتاج إلى سن نظام حوافز وعقوبات، فليس معقولاً أن يتساوى المعلم المنتج والمبدع، الذي يتعب على مادته العلمية وعلى أساليب توصيلها إلى طلبته، مع المعلم الذي يهمل ويتغيب ويجبر طلابه على إنجاز مقرر لم يوفه حقه، ويقف أمامه «ونفسه شينه»، فهناك فرق كبير، يجب على الوزارة بحث طرق مكافأة هذا ومعاقبة الآخر.
وليت الوزارة في عام المعلم أن تلتفت أيضاً إلى المعلم المتقاعد، فهو لا يذهب إلى النسيان فقط، بل إلى الجحود، ويصبح بلا قيمة، بدءاً من مكافأة نهاية الخدمة الزهيدة التي لا تتجاوز تسعون ألف لمن عمل أكثر من ثلاثين عاماً، وهو رقم زهيد مقارنة بالشركات التي تمنح شيكاً ذهبياً يصل إلى سقف المليون ريال، وحتى عدم الاعتراف به لدى شركات التمويل والتأجير وغيرها. فالمتقاعد عموماً، مدرساً أو موظفاً مدنياً لا ترحب به شركات تأجير السيارات مثلاً، لأنه ببساطة لا يملك بطاقة عمل، وهي من ضمن الوثائق التي تطالب بها شركات التأجير، في ظل عدم الثقة ببطاقة الأحوال المدنية، فمتى تصبح البطاقة المدنية جواز مرور للمواطن لتحقيق كل احتياجاته، ومتى تكسب احترام الجهات والشركات، ويسهل استدعاء صاحبها عند الضرورة؟.
في عام المعلم، ماذا لو تعقد الوزارة مؤتمراً أو منتدى للمعلم، تدعو فيه أهم الكفاءات التعليمية في تاريخ البلاد، يتم خلاله إجراء الحوارات والندوات لمناقشة أسباب انخفاض أداء المعلم في التعليم الحديث، ولماذا لم يعد كما كان في السابق، يمتلك من المهارات والخبرات والثقة والاحترام ما يساعده على أداء مهمته، ماذا يحتاج إليه، من دورات تدريبية تطويرية ووسائل تعليم حديث وحوافز مادية وغير مادية كي يتطور مستواه إلى الأفضل.
أتمنى ألا يمر عام المعلم مرور الكرام، بل حتى لو لم تتقدّم الوزارة بمنجز مهم خلال هذا العام، فليتحرك المعلمون ويبادروا بإنشاء صفحات تواصل اجتماعي فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الوزارة لتحقيق أحلامهم في عامهم هذا.