حزنت كثيراً وما زلت لوفاة الرضيع ذي الأربعة الأشهر مشاري في مساء يوم 16-6-2010 م. الطفل مشاري من إحدى المدن الصغيرة في المنطقة الشرقية مات مقتولاً بسم الفئران، وأغلب التحريات والاستدلالات تشير إلى أن العاملة المنزلية دست له مبيد الفئران في الحليب. انتقل الرضيع البريء إلى رحاب الله الواسعة بعد أن عطل السم جميع أعضاءه الحيوية عن العمل ولم تستطع جهود الاختصاصيين في مستشفى القوات المسلحة بالرياض أن تحول دون قضاء الله وقدره.
الحياة أغلى شيء في الدنيا، وحياة الأطفال هي أغلى الحيوات على الإطلاق لأنها البذرة الخارجة لتوها من الأرحام، ولأن الكبار مؤتمنون عليها كعهدة من الله إلى الله ثم أمام مجتمعاتهم. ما زلت حتى اليوم أتذكر مشاري البريء عندما أحط رأسي لأنام، وتدور في رأسي أسئلة كثيرة وموجعة عن أوضاع المجتمع وأحاسيسه الذي يتكرر فيه موت الأطفال بالتعذيب أو التجويع أو الضرب المبرح أو التسميم، ولا يتحرك هذا المجتمع بأقصى درجات التصميم والمسؤولية الإنسانية للقضاء على الظروف المفضية إلى موت الأطفال بطرق إجرامية. تساءلت عن الدور الشرعي الذي يمكن أن يقوم به فقه سد الذرائع مثلاً في هذا المجال. أوليس من أهداف فقه سد الذرائع تعطيل مصلحة ما إذا رجح أنها مفضية إلى مفسدة كبرى؟ أليس القتل من أكبر المفاسد وليس قبله سوى السعي بالفتنة بين الناس؟.
إذا كانت الاستعانة بالعمالة الأجنبية في المنازل مصلحة راجحة بالإجماع على احتمالات المفاسد، وأقر الرأي الشرعي على ذلك، أفلا يمكن التحديد الواضح لمهمات وأعمال خدم المنازل واستثناء العناية بالأطفال والرضع من تلك المهمات بفتوى قاطعة تحرم على الأهل الاعتماد على الخدم في إرضاع الأطفال وتنظيفهم وتحميمهم وتلبيسهم حمايةً لهم من القتل والتعذيب والانتهاك الجنسي والفتك بالبراءة؟ إنني أتوجه بهذا السؤال للسلطات الشرعية كسؤال لا أعرف له جواباً: هل في فقه سد الذرائع أو في غيره من أبواب الفقه ما يتسع لتحديد أعمال خدم المنازل في الواجبات المادية مثل الطبخ والكنس والغسيل، وانتزاع العناية بالرضع والأطفال من أيديهم بفتوى قاطعة تحرم على الوالدين والأوصياء اللجوء إلى ذلك؟
لا أعتقد أن ما جرى للرضيع مشاري مجرد حادثة فردية نادرة، إلا أنه أفضى إلى وفاة كانت علامات القتل العمد فيها واضحة لا يمكن تجاهلها. أما ما هو كثير جداً ودون القتل فذلك ما يتعرض له الرضع والأطفال في مجتمعنا من العمالة الأجنبية، أو على أيادي أوصياء غير صالحين للقوامة مثل أطفال المطلقة حين ينتزعون من أمهم ويعهد بتربيتهم للزوجة الثانية وللأب المريض المصاب بمرض نفسي شديد الخطورة أو مستهلك المخدرات الذي لا يتورع عن أي عمل إجرامي. الجميع يتذكر القصص المأساوية التي تسربت إلى الصحف عن الممارسات البشعة المتكررة ضد الأطفال، ولكن ما هو موجود من الحالات المشابهة في المستشفيات أكثر من ذلك. الحاصل أنه بعد علاج كل طفل تعرض للتعذيب يتم تسليمه مرة أخرى إلى المنزل الذي تم تعذيبه فيه.
الموضوع كبير ومحزن ويخترق حدود المسؤولية الشرعية للأهل والقضاء والدولة. إذا لم تكن هناك مؤسسات حكومية رقابية تؤدي دورها الوقائي الشرعي والرسمي بكفاءة في هذا المجال، فلا بد من قيام مؤسسات أهلية تضامنية تتكفل بذلك، لأننا جميعاً مسؤولون أمام الله عن كل طفل عذب أو انتهك أو قتل ونحن عنه غافلون.