منذ عشرات السنين ونحن نسمع جملة رائعة ومخدّرة كلما راجعنا جهة حكومية أو جهة خاصة: راجعنا بكرة، هل اختفت تلك الجملة المنهكة وأصبحنا نحظى بإنجاز أمورنا اليوم وليس غداً؟ طبعاً لا، لأن (السستم عطلان، يمكن يصلح بكرة ولا بعد أسبوع)، (طيب كيف تعطّل واللي قبلي خلصت معاملته؟)، (أبداً بس من وقفت قدامي على الشباك تعطّل، سبحان الله، هذا حظك، عاد لو سمحت ابعد عن الشباك حتى أشوف اللي بعدك!).
- منذ عشرات السنين حين كنا نتابع البرنامج التلفزيوني القديم (مع الناس) الذي كان يقدمه المذيع سليمان العيسى في القناة الأولى، وهو يستضيف المواطنين كي يشرحون معاناتهم في الدوائر الحكومية، ثم يطرحها على المسؤول في تلك الجهة، وحتى برنامج (مع داود) البرنامج الإذاعي الذي يقدّمه داود الشريان، ويحاكم هو والناس مسؤولي جهات حكومية تعطّل مصالح المواطنين، ونحن نصفق لهما ونحلم بالتغيير نحو الأفضل، لكن لم يتغير شيئاً!.
- منذ عشرات السنين حينما كان آباؤنا يقولون لنا وهم يرون تعجّلنا وقلقنا من المستقبل بحثاً عن وظيفة: لا تستعجل، تركّد، ما سمعت قصة جدنا بعد ما شاف الحيّة العمياء تظهر رأسها من جحرها ويسقط الطير فيها فتأكله وتدخل في جحرها؟ وحتى الآن ونحن نقص ذلك لأولادنا كي لا يهاجروا وراء بعثة أو وظيفة خارجية، ونطالبهم بالصبر والانتظار، لكن الحيّات المبصرات متن في جحورهن وفي الصحراء ولم يتغيّر شيئاً!.
- منذ عشرات السنين وأمهاتنا يحلمن بقيادة سياراتهن بدلاً من السائق الهندي والبنغالي، يصرخن ويحلمن، ويضعن المبررات والأسباب والضمانات التي تثبت أن خوفنا من المجهول هو مجرّد وهم لا أول له ولا آخر، وحتى الآن وقد رحلت الجدّات عن دنيانا، وتقاعدت الأمهات الحالمات، ونحن نسأل، بل أولادنا وأحفادنا يسألون شقيقاتهم السؤال ذاته: طيب إذا تعطلت السيارة، من يصلح (البنشر) في الطريق؟.
- منذ عشرات السنين كانت أقسى إهانة يتلقاها الطالب في مدرسته أو الولد في حارته أن يعرف أحد زملائه اسم أمه أو أخته، ويعلنها على الملأ، فيلاحقه الآخرون به حتى يجعلوا منه مخبولاً، لا يكفي أن يبكي من شدة الألم، وحتى الآن يخشى أولادنا من ذكر أسماء أمهاتهم أو أخواتهم، بل يقوم بعضهم بشطب أسمائهن من صور دفتر العائلة حتى لا يقرأها أحد المدرسين أو الطلبة، رغم أنهم يجدون في مقرراتهم أسماء: خديجة وزينب وأسماء!.
- نعم كل شيء يتحرّك من حولنا، ونحن واقفون، منذ «المهفة» في أيدي أجدادنا، وحتى «الآيفون» في أيدي أبنائنا، لم يتغيّر شيئاً، فمتى تنتهي إجازتك أيها العقل؟