لا أحــد يعلم السبب الحقيقي لمقولة الفيلسوف اليوناني الكلاسيكي أفلاطون «الحب أعمى»، والتي ارتبطت بقديم الزمان بقصة خيالية أصبح بعدها الجنون يقود الحب الأعمى، الذي بلاشك يعتبر طامة كبرى على حياة من يصل بعواطفه إلى طريق مسدود مع الطرف الآخر، ويخسر استقراره النفسي والاجتماعي بسبب فقدان حبه لتلك العيون الكاشفة للحقائق من حوله!
وهذا هو حال الحب الذي تقع فيه كثير من الزوجات تجاه أزواجهن، لكنهم بالمقابل لا يقدمون لهن إلاّ المعاملة السيئة والبغيضة لهن!
وهذه المعاملة المؤسفة والتي لا تمت للقلب البشري بصلة، ذكّرتني بها زوجة عاشت عشر سنوات من زواجها تحت سقف من الإيذاء الجسدي والنفسي والعقلي، تفنّن بها رفيق حياتها ضدّها وهي صامتة وصابرة بسبب خوفها من فقدان أطفالها، وبسبب خوفها من الطلاق والعودة لأسرتها مطلّقة وأماً لأطفال! والمشكلة أنها موظفة في الدولة تعرف ما لها وما عليها، وباستطاعتها معرفة حقوقها الشرعية، ومن خلالها تستطيع التحرك لحماية نفسها وحماية أطفالها من العذاب الذي تعيشه، لكنها فضّلت الصمت خوفاً من خسارتها لأطفالها بعد الطلاق!
وفضّلت الصبر على أمل أنّ زوجها قد تتغير أحواله للأحسن ويرحم حالها!
لكن الزوج ماذا قدم لها مقابل هذا الصبر كمثل كثير من الأزواج العدوانيين؟
لقد اعتبر صبرها على قسوته ضعفاً منها، وحبها له طوقاً يريد الخلاص منه بشتى أنواع الإهانة والذل لها! بل امتد تعذيبه لأطفاله بدون رادع، مما تسبب في تماديه السيئ ضدها! والمصيبة التي تعيشها الزوجة وتسببت في تردّدها وخوفها من اتخاذ قرار حاسم لحياتها، ذلك المستوى العلمي والعملي الذي يتمتع به زوجها، ومشاركاته العلمية والثقافية على المستوى المحلي والدولي، وظهوره بصورة اجتماعية راقية أمام الآخرين، مما أضعف قدرتها بداية على التفكير في طريقة مناسبة للتخلص منه بهدوء!
لكن المؤلم حقاً عندما تلجأ مثل هذه الحالات للجهات المعنيّة بمعالجة العنف الأُسري لطلب الاستشارة لمساعدتها في حل مشكلتها، فإنها عاجلاً ما تتراجع عن إجراءات التدخُّل الرسمية لحمايتها، وإيقاف العنف الواقع عليها وعلى أطفالها، خوفاً من مضايقتها أو استثارتها لهذا الزوج ضدها مرة أخرى وبشكل أشد! بالرغم من أنه ليس مؤذياً لمشاعرها فقط بل لحياتها أجمع!
هذا التردُّد والتراجع والتشبُّع بالحياة المؤذية للذات، ترتضيها كثير من الزوجات بسبب « الحب الأعمى « الذي قال عنه الأديب المصري «أنيس منصور» بأنه مرض خطير عند الرجل، لكنه عند المرأة فضيلة كبرى! وهذا هو الفرق في منح العواطف بين الجنسين وخاصة بين الزوجين، عندما يعجز أحدهما احتواء الآخر بحبه القوي الذي يتحوّل بمرور الوقت إلى حب أعمى ومريض، يخسر من خلاله حقه في العيش بأمان مع شريك حياته الذي لا يمنحه أي إحساس بالطمأنينة والاستقرار العاطفي!
لذلك نحن بصدد قضية أُسرية حساسة سببها الحب المشوّه لعدم تكامله بعدالة بين الزوجين وضحيّتها أرواح بريئة!
ومعالجة هذه القضية لن يكون إلاّ بتعديل كثير من الأحكام القضائية في مسألة حضانة الأطفال ورعايتهم وإجراءات الخلع والطلاق لهذه الفئة من النساء المظلومات باسم الحب مع أزواج لا يتّقون الله ولا يخافونه.
moudy_z@hotmail.com