على أرض الوطن الواحد قد يحدث ما يمكن حدوثه بين أفراد العائلة الواحدة. فقد يقع الخلاف والاختلاف الذي يفسد للود ألف قضية وقضية وليس قضية واحدة فقط. وقد تصل المشاحنة والبغضاء بين أفراد الوطن الناتجة عن ظلم بعضه بعضا إلى حد هجران الوطن والرحيل عنه سياحة في أرض الله الواسعة، «فظلم أولي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند».
وبما أن ذلك من طبيعة العنصر البشري مصداقاً لقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} فإن كل ما مضى متقبل، متفهم، طالما لم يُستدع الغريب أو العدو فيُستنصر به لكسب الخلاف، فذلك الذي ترفضه النفس الأبية الشريفة ذات الخلق السوي ولا يفعله إلا من سفُل وانحطت به هممه «فأفعال من تلد الكرام كريمة وفعال من تلد الأعاجم أعجم».
قد يستنصر غِرُ جاهل أو سفيه أو خبيث بالغريب أو بالعدو على قومه ووطنه ظانا أو مدعيا أنه محب يصلح ما قد فسد. وما درى المسكين أنه أداة أو دمية يستخدمه العدو لتحقيق مآرب وأجندة خاصة به، «لا يخدعنك من عدو دمعه وارحم شبابك من عدو ترحم».
ومما قد يستسهله البعض، عن حسن نية وقصد، اللجوء إلى وسائل الإعلام الغربية المعادية أو المحايدة - كفوكس نيوز وسي إن إن - من أجل نصر قضاياهم الفكرية. وجمهور الوسائل الإعلامية الغربية لا يكترث بالعرب ومصائبهم، ما لم يُضاف للخبر مساحيق التجميل ونكهات الإثارة وطابع التهكم والسخرية. لذا، فوسائل الإعلام الغربية لا تفتح أبوابها إلا لمن يطعن في موجع من مواجع الوطن التي تُوجعه أمام الجمهور الغربي وتجعله موضع تندر أحاديثهم وفكاهة مجالسهم. وهناك من المنبوذين من استرزق بهذه الصنعة الدنيئة فتراهم يستغلون هذه المواجع فيضربون عليها في كل خلاف وطني فيظهرونه أمام الغرباء بدعوى الإصلاح والمحبة، وهؤلاء الذين يحكي حالهم قول الشاعر: «وجائزة دعوى المحبة والهوى وإن كان لا يخفى كلام المنافق».
اختلف رجل من جهينة يقال له الأخنس بن كعب مع قومه فخرج مغاضباً لهم فلقي الحصين بن عمرو فترافقا على أن يأخذا ما يمكن أن يأخذاه من قومهما، فلم يلبث الأخنس إلا أن قتل الحصين ثم رجع واصطلح مع قومه منشدا:
جهينة معشري وهم ملوك
إذا طلبوا المعالي لم يهونوا
إن من المسكوت عنه في قلوب الرجال علمهم وإدراكهم بأن الأوطان قد تقسو وأن الأهل قد تظلم فما زادوا إلا أن أرجزوا «فَدَيناكَ مِن رَبعٍ وَإِن زِدتَنا كَربا* فَإِنَّكَ كُنتَ الشَرقَ لِلشَمسِ وَالغَربا»
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem