ثمة نماذج حية ارتبطت سيرتها ومسيرتها الرياضية بالعطاء والأداء والإخلاص والتضحيات والولاء لكيانهم ولرياضة وطنهم فبقيت أسماؤها محفورة في الذاكرة وأخاديد الزمن, غير أن مصائب الدهر ونوائب الابتلاء زارت ديارهم وصافحت أجسادهم وأصبحوا يعيشون أحوالاً صحية ومادية ونفسية قاسية, وأوضاعاً معيشية واجتماعية حالكة ينتظرون الفرج وفك الكرب من الله العزيز القدير ثم من أصحاب القلوب الرحيمة.
- نجم الهلال الشهير وقائده الكبير في حقبة الثمانينيات الهجرية الخلوق جداً (سلطان بن مناحي) من النماذج الكبار بتاريخهم المشرف ممن تكالبت عليهم الأوضاع الصحية وداهمتهم الظروف المرضية بدءا بإصابته بجلطة دماغية قبل أكثر من ثلاثة أعوام وما تمخض عن ذلك من تعرضه لشلل بسيط في الجنب الأيسر، ثم إصابته -شفاه الله- قبل خمسة أشهر أو تزيد بفشل كلوي ألزمه فراش المرض وأصبح بالتالي ملازماً لجهاز الغسيل الصناعي ينتظر تقرير المصير..! ففي كل يومين أو ثلاثة تتجه بوصلة معاناته نحو المستشفى لإجراء عملية الغسيل الدموي على مطية الصبر والاحتساب متحملاً معاناته ومتجشماً عناء رحلة الغسيل بكل جلد وثبات، بعدما كان في يوم من الأيام يرسم الفرحة على وجوه محبي وعشاق ناديه بأقوى الانتصارات وأفضل الألقاب وأجمل الحضور ليقذف بكرة معاناته في شباك ناديه الكبير بقيم رجالاته ووفاء رموزه وشيم أعضائه بعد إصابته بالمرض وتأزم كربته منتظراً من يأخذ بيده ويقرر مصيره مع الغسيل الصناعي...!! فالرياضة لم تعد فقط ميدان فوز وخسارة أو ممارسات عفوية يقوم بها الرياضي من أجل الترفيه والترويح عن النفس أو مصدراً من مصادر الكسب والتعب, بل أصبحت أيضا جزءا من الهموم الاجتماعية وضربا من ضروب العمل الإنساني اكتسبت أهميتها المعيارية وأبعادها النبيلة في حياة البشر اليومية، والأكيد أن معظمنا تابع الأوضاع المرضية القاسية التي يعاني منها النجم الهلالي الدولي -سابقاً- (سلطان بن مناحي) بعد تعرضه لفشل كلوي, إذ حاول -شفاه الله- أن يستجدي بالوفاء الهلالي بدموع الصبر والعزم والثقة ومازال ينتظر لمسة حانية في كل يوم تشرق فيه شمس الأمل و يترقب زيارة الوفاء الأزرق إلى بيته ليصافح مشاعره الإنسانية ويعانق أحاسيسه المرهفة ويخفف عن معاناته المتراكمة كرمز من رموز النادي الكبير ممن ساهموا في البناء الهلالي في حقبة التأسيس.. (فسلطان الأمس) وبشهادة رائد الحركة الرياضية ومؤسس البيت الأزرق الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -رحمه الله- يعتبر من النماذج المثالية المنافحة التي عايشت تلك المرحلة البنائية بكل أحداثها المتباينة وتحولاتها التاريخية ومتغيراتها الاجتماعية وصيرورتها الرياضية وقدم تضحيات جسيمة لكيانه العملاق وترك بصمات خالدة في خارطة التأسيس كعضو فاعل في منظومة الدعم الفني الهلالي آنذاك بقيادة الرمز الكبير (أبو مساعد) الذي سكبت من على جبينه حبات العرق الوادة تلو الأخرى على أرض البناء الهلالي حتى شيد الصرح الكبير طوبة طوبة, فحمل -ابن مناحي- على معصمه قيادة الفريق الأزرق في ساحة المنافسات في حقبة الثمانينيات الهجرية بعد أن تجلت سماته القيادية في سن باكرة متناوباً شارة الزعامة الميدانية بينه وبين رفيق دربه الأسطورة آنذاك (مبارك العبد الكريم), وهما بالمناسبة من صنع أبرز الإنجازات الكبيرة والألقاب الذهبية للمسيرة الهلالية في تلك الأيام الخوالي, فبقي اسمه محفوراً في الذاكرة الرياضية كنجم نجح في الجمع بين المستوى الفني العالي والخلق البديع.. هكذا يقول التاريخ والجغرافيا والإحصاء الرياضي.
أما (سلطان اليوم) أصبح أسيراً على سرير المعاناة وفراش المرض عقب إصابته بفشل كلوي وتردده على جهاز الغسيل الكلوي قبل أن يجري عملية جراحية في القلب.. فقد صبر على معاناته وتحمل آهاته بعد أن هب أبناؤه وبناته وزوجته للتبرع له «بكلية» تعيد له الاستقرار النفسي والتوازن الصحي والهدوء الاجتماعي.. لكنه رفض من مبدأ إنساني وسلوك أبوي حناني صرف فآثر على نفسه وتحّمل آهاته ووناته وصبر على ألم الفشل الكلوي ومرارة الغسيل الصناعي من أجل راحة واستقرار وهدوء أبنائه, وربما أن زراعة كلية (لابن مناحي) في خارج المملكة بتكلفه (150 ألف) ريال ستعيد له توازنه الطبيعي واستقراره النفسي وهو الذي يعيش حالياً على راتبه التقاعدي البسيط, ولا أتصور أن مبلغا زهيدا كهذا سيجعل (الوفاء الهلالي) المعروف بحضوره القوي في المناسبات الإنسانية وهرولته في مضمار المشاريع الخيرية الرياضية يولّي مدبراً ولا يعقب على أحوال أبنائه (المصابين) بابتلاء المرض والوقوف معهم في أحلك ظروفهم الصحية.. وسيبقى باب الأمل لنجم دولي شهير بحجم واسم وتاريخ (ابن مناحي) خدم كيانه 30 عاماً لاعباً وإدارياً مفتوحاً بانتظار من يعيد له ابتسامة الأمل..!
أما زوجته الوفية الصابرة (أم فهد) فقد روت لكاتب السطور حجم معاناة زوجها وما يتكبده من تعب ومشقة حين يعود من غسيله الصناعي رغم تسابق أبنائه للتبرع له وإنقاذ حياته من شدة الكرب وقساوة الموقف, غير أن تمسكه بالصبر بكل ثبات إيماني ودافع وجداني على ألم الغسيل لم يفقد أمله الكبير بالله عز وجل ثم في أهل الوفاء والقيم الإنسانية لانتشاله من مغبة الأوجاع والأسقام وعلله المرضية.
- وأخيراً أضع ملف (معاناة) النجم الدولي السابق على طاولة صاحب القلب الكبير والأيادي البيضاء الأمير (نواف بن فيصل) وكلي ثقة بأمير الشباب أن يحظى (ابن مناحي) -شفاه الله- بلمسة إنسانية ولفتة كريمة ترسم له الابتسامة وتخفف عنه معاناته وتعيد له توازنه النفسي والصحي والوجداني.
K-aldous@hotmail.com