خمس دقائق في الجنة هو عنوان فيلم تلفزيوني حاز الكثير من الإعجاب حينما ظهر عام 2009 كما حصد عددا من الجوائز في مهرجانات عدة، ورشح لجوائز الأيميز سواء للإخراج أو التمثيل. وهو من جزءين يحكي الأول قصة واقعية لضحايا الإرهاب والتطرف الفكري والعقدي والديني، وتدور الأحداث
حول مقتل جيم كريفين الكاثولوكي علي يد الشاب اليستر ليتيل ذي السابعة عشرة والعضو في منظمة UVF المنبثقة من الجيش الجمهوري الأيرلندي التي كانت موجهة لمحاربة الكاثوليك المسيحيين كجزء من تلك الحرب الدينية الشرسة التي كانت تغطي أرجاء ايرلندا الشمالية آنذاك بين الخصمين الدينيين اللدودين البروتستنت والكاثوليك رغم انتمائهما لنفس الديانة المسيحية.
الجزء الثاني من الفيلم يسرد وقائع المحاولة التي قام بها فريق تلفزيوني بعد ثلاث وثلاثين سنة من وقوع الحدث للجمع بين القاتل وبين أخ المقتول الذي شهد الجريمة آنذاك وكان عمره 8 سنوات فقط.
الجريمة التي يتحدث عنها الفيلم حدثت عام 1975 حين قرر اليستر ليتيل الانضمام ومجموعة من أصدقائه للمنظمة الثورية البروتستانتية UVF فقاموا بسرقة سيارة وذهبوا لبيت المسكين كرفين الكاثوليكي الذي كان في عمر العشرين الذي كان جالسا في بيته يشاهد التلفزيون في حين خرجت أمه لتوها للتسوق فيما يتسلى شقيقه الأصغر الذي كان آنذاك في الثامنة بلعب الكرة بجوار المنزل. دخل اليستر الشاب المتحمس المنزل وقتل المسكين وغادر بسرعة دون ادنى شعور بالذنب، وأحرق هو وجماعته السيارة المسروقة ليخفي آثار الجريمة. قبض عليه بعدها وأودع السجن لمدة أحد عشر عاما خرج بعدها نادما على فعلته يحاول عن طريق انتمائه للجمعيات الخيرية ومجموعات الدعم الذاتي مساعدة المفجوعين وضحايا الجرائم الإرهابية لكن الأخ الصغير للمغدور وتحت روع الحادثة واللوم المستمر لأمه المفجوعة بأنه سمح للقاتل أن يتسلل للمنزل في غيابها ظل عاجزا عن التخلي عن فكرة الانتقام.
في الجزء الثاني من المسلسل وبعد 33 سنة من الحدث يحاول منتج تلفزيوني تحقيق المصالحة بين الطرفين بأن يجمع القاتل والصبي الصغير الذي أصبح ربا لعائلة وطفلتين. يجري الطاقم مقابلة تلفزيونية مع القاتل الذي يتحدث بصدق مروع ليس عن جريمته بل عن التشكيل العقلي والفكري له في تلك الفترة التي سلمته بقبول كامل منه لقوى الشر الإرهابية وهو الأمر الذي ينبهنا إلى نقاط كثيرة لها علاقة بواقعنا المحلي والطريقة التي يتم بها التقاط وتشكيل التيارات الفكرية للصغار في كثير من الجماعات الدينية على المستوي المحلي أو الإسلامي.
يقول اليستر القاتل في اعترافاته اللاحقة: إنه لكي يتحدث بلسان الشخص الذي هو الآن لابد أن يفهم الشخص الذي كانه قبل ثلاث وثلاثين سنة، يذكر انه كان كفرد وشاب يعيش ضمن بيئة قلقة مليئة بالتوتر والمظاهرات والاحتجاجات والقنابل والأخبار السيئة للقتل والثأر المتبادل. يقول: إننا كشباب كنا نجد أنفسنا في حالة حرب مستمرة وعداء مع الآخر تجعلنا نشعر بمسؤولية تجاه واقعنا بما يجعلنا مجبرين على الدخول في حالة الحرب مع هذا الآخر حتى لو لم تكن الحرب هي خيارنا الأول، كان التفكير السائد أن الطبيعي أن تكره الآخر وتراه عدوا مباشرا يساهم في تدميرك وعائلتك وحيك، ولذا كان من الطبيعي لنا جدا أن نكون ضده.
يؤكد اليستر أن من الضروري فهم عقلية الإرهابي الذي لا يرى نفسه كذلك بالطبع لكن حين تلتحق بجماعة ما ستفعل أي شيء، وتكون مستعدا للقتل إذا طلب منك ذلك، وهذا مافعلته ومابدا لي طبيعيا جدا آنذاك، لذا حين ذهبت للقائد وقلت له إنني أرغب في قتل كريفن بدا لي ذلك سلوكا طبيعيا ومقبولا.كنت أشعر بأن ما أفعله صحيح مائة بالمائة لم أشعر أبدا انه خطأ بل على العكس كان هو الشيء الصح والحق الذي يجب عمله لهذا كان التنفيذ سهلا.
الناس الذين يتعذبون ويقتلون كما كنت أراهم هم أهلي من البروتسنت لكن لم يكن يعنيني، ولم أكن أشعر بالعذاب والقتل والألم الذي تمر به العائلات من الفريق الآخر الكاثوليك. في الحقيقة لم أشعر بأهمية أخذهم بعين الاعتبار، الذي يتعذب هم أهلي وناسي فقط لكن عذابات الطرف الآخر غير مهمة.كان مهما أيضا لي في تلك السن الإشارة لي عند دخولي النادي بأنني الرجل الشجاع ذو القلب والعقل الجلد، وكان هذا مهما لتنفيذي أوامر القتل وأحمد الله الآن أنني لم أكن أعرف آن ذلك أن الصغير الذي كان يلعب الكرة خارج المنزل هو شقيق كريفن لكنت قتلته ايضا !!. يقول اليستر: أعتذر عن قول ذلك لكنني أحاول الآن فهم عقلية المنتمي إلى جماعة متطرفة في ذلك السن حتى نتمكن من الدخول لعقول الإرهابيين وإيقاظهم. أشعر بندم حقيقي الآن ولذا أنا هنا لمواجهة ذلك الصغير ولمصالحته حتى أرتاح!!
ماذا حدث بين الرجلين بعد كل هذه السنين ؟؟ وما العوامل التي تساعد المنظمات الإرهابية على إحكام قبضتها على المغررين أيدلوجيا وعقائديا؟ تابعوني الأسبوع القادم.