الأطفال والصغار والعابثون.. يرمون عالي الشجر من أجل إسقاط يانع الثمر. وبلادنا وديارنا كنز الكنوز بدينها ومقدساتها وثروة الثروات في قيمها ورجالها إنها عالية القدر في مقامها ويانعة الثمر في منجزاتها..
وبساط الأمن الممدود يستفز قلق المرجفين والقوة والتماسك بيننا يضعفان نفوس الطامعين والحاقدين وحفظ الله ثم حكمة ولاة الأمر فينا يخيبان ظنون المتربصين.
هذه البلاد قاعدة الإسلام وحصن الإيمان ومعقل الدعوة، القرآن الكريم تنزل في عرصاتها والنبي صلى الله عليه وسلم بعث من بطاحها، دولة تلتزم بالإسلام تأخذ به في عقيدتها وتترسمه في تشريعاتها تأخذ به أخذ تكليف وتشريف، شرفها ربها بالولاية على الحرمين الشريفين وأعزها وأكرمها بخدمتهما ورعايتهما.
وعلى الرغم من جلاء هذه المفاخر وبروز هذه النعم وثبات هذه المبادئ فإن هذه البلاد ليست بدعاً من بلاد العالم ودياره فهي تبتلى كما يبتلى غيرها في عالم واسع تقارب وانحصر بتشابك اتصالاته وتنوع مواصلاته وتعدد وسائل إعلامه وانتشار فضائياته وشبكات معلوماته.. إنها ليست بمعزل عن العالم، وما هذه الدعوات المضللة، والكتابات المزيفة، والحادثة الإجرامية في بلدة العوامية التي فاجأتنا بها وسائل الإعلام، إلا نوع من هذا البلاء الذي يتسم بالتخطيط وتوزيع المهمات.
يقال ذلك - أيها القارئ الكريم - ليس استسلاماً للمعتدين ولا عجزاً عن اتخاذ المواقف الصارمة الحازمة، ولكنه تقرير واقع وبيان موقف نحو من يقترفها ويروجها ويربي عليها أفراداً وجماعات يريد أن يجعلها بقوة الثوابت والمعتقدات.
لقد شرق هؤلاء بما أنعم الله به على هذه البلاد المباركة من تمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وبما أنعم عليها من نعمة الأمن والأمان هذه النعمة التي تحلو فيها العبادة ويصير النوم سباتاً والطعام هنيئاً والشراب مرئياً.
الأمن والأمان، عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات، فالمجتمع إذا آمن أمن، وإذا أمن نما، فأمن وإيمان ونماء، فلا أمن بلا إيمان، ولا نمو بغير ضمانات ضد الهدم: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام.
إن المزايدة على أمن هذه البلاد، أو التكفير لعلمائها وولاتها ودعاتها، أو الدعوة إلى المظاهرات فيها. .مدعاة للسخرية والفوضى، المرفوضة بداهة، وغير المأذون بالقيام بها شرعاً، أو القبول لها تحت أي مبرر كان.
بل هي من نسج الأعداء، وإن استعملوا في تنفيذها لهم أبناء الإسلام، واغرارهم لزعزعة كيان الأمة، بإفساد دينها وسلب أمنها ومقدراتها.
وشباب أهل هذه البلاد، نهلوا تربية إسلامية غير معوجة، وأفكارهم وأطروحاتهم مبنية على ركائز العقيدة الصحيحة، وهم في ذلك ثمرة علمائها، وشعب حكامها.
وإن ما يقوم به أمثال هؤلاء إنما هو نشاز ممقوت، لا يمثل أي فرد من أفراد الشعب السعودي النبيل، الذي يعلم مسؤولياته تجاه دينه وعلمائه وولاته، والذين حرصوا على ألا يكونوا أبواقاً ينفخ من خلالها المغرضون، ومطايا يمتطيها الحاقدون، ضد هذه البلاد وعقيدتها وولاة أمرها.
إن المرء المسلم، في فسحة من دينه، عن أن يزج بنفسه في مهاوي الرذيلة، ومزعزع الأمن ومخلخله، إنما هو في الدرجة الأولى، يزعزع أمن نفسه ووالديه وإخوانه، وزوجه وأبنائه، قبل أن يزعزع أمن غيره من الناس.
فضلاً عن أي يكون بذلك، قد حسر عن رقبته لحد مرهف، وهذا هو دواء الداء، من كل جاهل مأفون: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (8) سورة فاطر.
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (50) سورة القصص.
أما يفكر مزعزع الأمن الأجير، في والده ووالدته، حينما تأخذهما الحسرات كل مأخذ وهما اللذان ربياه صغيراً، أما يفكر مزعزع الأمن الأجير، في زوجه و أولاده الذين يخشى عليهم الضياع من بعده والأسى من فقده {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} (9) سورة النساء.
أما يفكر مزعزع الأمن الأجير، كيف يحل عليه الضعف محل القوة، والهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء، حيث لم يعد يؤنسه جليس، ولا يريحه حديث، يخاف من الهمس، ويجزع من اللمس، متلفت لا يصل، قد سئم ما كان يرغبه أيام عنفوانه وحرية نفسه. ولكن ما الحيلة إذا استفحل الداء، ولم يجد الدواء، وما العمل إذا تحول المرء إلى السعار والصيال، لقد أصبح تركه حراً لا يزيده إلا ضراوة، ولا يزيد المجتمع به إلا شقاوة، ولا مكان للرحمة حينئذ لمثيري الفوضى ومهدري الحقوق، في كل أنواع الجرائم بلا استثناء، وترك كل مفسد كائناً من كان، إنما هو فتح لأبواب العذاب على المجتمع كله، وإغراء بالظلم، وإسقاط للقيم، ومن لا يرحم لا يرحم.
إن الرغبة في إحداث الفوضى وتنفيذ مخططات الأعداء والاستجابة لنداءات المغرضين على هذه البلاد وشعبها وولاة أمرها وانتقاص قدرها بلا مبرر شرعي، كل ذلك مرض نفسي بالغ الخبث، وفتنة عمياء، تجعل المصابين بها غرباء على مجتمعهم، أو عقبات أمامه، أو غبشاً في مرآته، ملتاثين بحجاب أغلف يغشى قلوبهم وعقولهم.
وإن الذي لا يحسن التنقيب في جنبات نفسه من أمثال أولئك الأجراء؛ لاكتشاف عللها، لا يصلح أن يكون عضواً فعالاً في المجتمع، انما هو امرؤ مريض الفؤاد، سمج المزاج، ولكن لا يبلغ الأعداء من جاهل، ما يبلغ الجاهل من نفسه.
إن مزعزع الأمن الأجير والمحدث للفوضى، ومفسد الدين، إنما يهيل التراب على تراث المسلمين كله، وهو بذلك، يقطع شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة، وهو يخدم بذلك، عن وعي أو غباء، الغارة الاستعمارية على دار الإسلام، من خلال عمل أخرق، يزيد السقم علة، والطين بلة، ويطيح بالمسلمين، ويوصد أمامهم أبواب الحياة الآمنة.
من أجل ذلك كله يجب على الشباب المسلم، أن يكون يقظاً واعياً، وحذراً أشد الحذر من الوقوع في متاهات الهوى، ومزالق الشيطان، في أي وجه كانت الجريمة.
والمواطن هو رجل الأمن، ورجل الأمن ما هو إلا مواطن صرف، ويجب على العلماء والموجهين، أن يضبطوا أمتهم بتوجيهاتهم وتربياتهم، فلا يعطوا العدو فرصة للوثوب من خلالها. وليحذر الجميع، ممن بسط لسانه أو يده فينا، ولا يقول كلمة أبداً في أعدائنا، سبحان الله! ما أخرسه هنا، وما أنطقه هناك، فما أفلح من أفسد، وما فاز من خرج، ولا نجح من كفر «وإن يد الله على الجماعة ومن شذ عنها شذ في النار» أخرجه الترمذي.
ويتعين على أهل الإسلام أن تكون مواقفهم حازمة في وجه كل من يستهدف عقيدتها وأمنها، بعيداً عن جو العاطفة، لينتبه من غفل، ويصلح من ضل.
وأقول في هذه المناسبة التي يتألم من حدوثها كل مواطن سعودي، شيئا من الشعر الذي نتغنى به في نصرة قضايانا الوطنية والتي يمليها علينا ديننا الحنيف:
فاحَ الترابُ كأنه ريحانُ
وجثا الربيعُ عليكِ يا (ريّان)
دفءُ الصباحِ ونورُه يغشى الرُّبى
والليلُ أُنسٌ والحياةُ أمانُ
يتضاحكُ الأطفالُ حولَ بيوتِهم
والأمهاتُ بشاشةٌ وحنانُ
تُلقي السحابُ بما تيسّر كلما
حنّتْ إلى هزماتِها الوديانُ
أمنٌ رخاءٌ صحةٌ وسعادةٌ
تشدو الطيورُ وترقصُ الغزلانُ
وإذا بقطعانِ الذئابِ على الحمى
حامت وكان دليلُها الشيطانُ
جاسوا خلالَ ديارنا وتسلّلوا
ناحت رصاصُ الغدرِ فاحَ دخانُ
من أين جاؤوا كيف مرُّوا من هُنا
لا. . لن يمروا والكلامُ رهانُ
هذي الجبالُ أبيةٌ لا تنحني
مُخْضَرَّةٌ في بطنها بركانُ
هذا الثرى.. هذي الحصى جمرُ اللظى
لن تُرحموا.. لا ترحمُ النيرانُ
وعلى الحِمى جُندٌ على أكتافِهم
أرواحُهم وصدورُهم قرآنُ
ياموطناً يا روحاً وقلباً نابضاً
رئةُ التصدي أنت والشريانُ
أنتِ الكرامةُ والشهامةُ والحِمى
والعرضُ والحُرماتُ والعنوانُ
ورجالُكِ الأحرارُ يفدون الثرى
ما ساوموا ما استسلموا ما خانوا
لا تحزني هذا ابتلاءٌ فاصبري
لا يُبتلى من خانَهُ الإيمانُ
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان، والأمن في الأموال والأنفس والأهلين، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
إضاءة: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} (126) سورة التوبة.
وعلى دروب الخير نلتقي، والسلام..
* داعية إسلامي