لا ينكر أحد أن مجتمعنا متدين، ويؤمن بأهمية القراءة والنفث على المريض ممن يصاب بعين أو سحر أو أذى، ولعل نسبة كبيرة ممن يعانون من الاكتئاب والقلق والفزع وغيرها من الأمراض النفسية التي تفشت بشكل كبير لدينا، هم من يبحثون أيضاً عن القارئين والنافثين عليهم، وكل ذلك مقبول إذا كان في حدود قراءة آيات من القرآن الكريم وأدعية الرقية الشرعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً إذا كان الشيخ أو القارئ النافث يقصد من عمله ذاك وجه الله سبحانه والأجر من عنده.
أما أن يتحوّل هذا الأمر إلى تجارة صرفة، ويقوم القارئ حمود أبو نفخة بطباعة كروت تعريف، أي بزنس كارد، تحمل اسمه وهواتفه وخدماته المقدمة للمرضى والمحتاجين، بل والأسعار لكل خدمة، فالزيارة للبيت بمبلغ مائة ريال، والظرف بسبعين ريالاً، تخيّلوا ظرفاً يحتوي على ورقة فرخ مطوية بعناية، ومكتوب عليها بماء الزعفران آيات قرآنية، يُباع بسبعين ريالاً!
الغريب في الأمر أنه حتى من كان يفعل ذلك لوجه الله قبل عشر سنوات مثلاً، وأمام هذه التجارة الرائجة، تحوّل كغيره إلى المكاسب والنهب من عباد الله، داخلاً ضمن طوفان اللهاث خلف المال. فبالله عليكم كيف يقبل المريض أن تكون قراءة من يفعل ذلك ليست لوجه الله، بل لوجه الريال، وأنه قد يُكتب فيها النفع والشفاء؟ كيف؟
أحد هؤلاء ينفث ويقرأ على المريض بسرعة رهيبة، وهو يتلفت كأنه مطارد من قبل آخرين، والسبب في ذلك أنه يريد كسب الوقت والمزيد من المال، وتروي لي إحدى القارئات بأن أحد هؤلاء ممن قرأ عليها، ولاحقها بالاتصالات اليومية والرسائل مطالباً بمبلغ مالي عال لقاء أجرة ثلاث زيارات، تقول إنها حين اعترضت على المبالغة في المبلغ المطلوب، أكَّد لها أن ذلك محسوب من وقته الثمين الذي قضاه عندها وهو ينفث ويقرأ، فـ (الدقيقة بعشرة ريال والحسابة بتحسب!).
وحين يدخل أحد هؤلاء إلى منزل مواطن، فإنه يفكّر بطريقة المسوّقين، مثله كمثل من يسوِّق لمكنسة كهربائية مثلاً، إذ تجده ينفح كل من في البيت (كروت التعريف به وخدماته)، إذ يسلّم الشخص عشرات منها، طالباً أو يوزعها على من يعرف كي يكسب أجرهم، أي أجر وأنت تلهف أموال الناس كغيرك، على الأقل الطبيب الذي يحصد المئات والآلاف من الريالات، يمتلك شهادة طبية معترف بها، قضى سنوات في الدراسة والتعلّم، حتى تم منحه شهادة من جهة علمية أكاديمية، لكن أنت أيها القارئ حمود من منحك هذا الحق؟ وما هي مؤهلاتك كي تتجول بين المنازل وتنفث في كل شيء، البشر والماء والزيت والعسل، بل حتى البيت نفسه، كي لا يدخله السحر ولا العين، فمن منحك رخصة هذا العمل؟ ومن حدّد أجرتك في الدقيقة أو الساعة؟
لذلك عزيزي القارئ، لا تستغرب إذا وجدت إعلاناتهم في المراكز التجارية وعلى جدران العمارات مثلهم كمثل معلمي ومعلمات الرياضيات والإنجليزي، ولا تستغرب أن تصلك رسائل بالجوال لخدمات هؤلاء وطريقة الاتصال بهم وحجز المواعيد، ولا تستغرب أيضاً أن يرسل (نفخاته) بالتوصيل السريع (تيك أوي) كمطاعم الوجبات السريعة، فنحن في عصر السرعة والمال!