هناك رؤيتان حيال ما يجري في العالم العربي، إذ هناك من يجزم بأنها «ثورات» عفوية كان لزاماً أن تتفجّر بعد أن وصلت الأمور إلى حدٍّ لا يطاق من الذل والفقر، وهناك من يقول إنها حصلت بتدبير وتوافق غربي من أجل إعادة صياغة المنطقة من جديد. وقد أبعد أهل هذا الرأي النجعة، وقالوا بأنّ الغرب جرّب التعامل فيما مضى مع زعامات من شتى الأطياف الفكرية، وخسر بالتالي تعاطف الشعوب العربية المحافظة. ولذا - يضيف هؤلاء - فإنّ الغرب قد قرر أن يجرب التيار الإسلامي ممثلاً بالإخوان المسلمين، لعله يكسب الشارع العربي المحافظ، وتقل بالتالي حدّة العداء والتهديدات الإرهابية !. الغريب أنّ هذا الرأي الذي بدأ خجولاً، أصبح يجد قبولاً وتسويقاً حتى في الأوساط الغربية المحترمة. وأياً يكن الأمر، فإنّ الدلائل تشير - وبقوة - إلى الدعم الذي يلقاه تيار « الإخوان المسلمون « في كل الدول الثائرة.
دعونا نعود قليلاً إلى الثورة المصرية، ونتذكّر الرمز اللغز» وائل غنيم»، والذي أريد له أن يكون في صدارة المشهد الثوري بتسويق إعلامي كبير، واستمر الترويج له في الغرب بشكل مثير ومريب لدرجة أنهم تحدثوا عن إمكانية فوزه بجائزة نوبل!. اتضح الآن أنّ السيد غنيم « إخواني» الهوى منذ نعومة أظفاره، وكان معجباً ببعض قيادات الإخوان المسلمين، ويزورهم كملهمين له في مسيرته الحياتية. أيضاً، تذكّروا أسماء من أنيط بهم إعادة كتابة الدستور المصري وانتماءاتهم الفكرية، وركّزوا على كل الأسماء التي يروّج لها الإعلام الغربي قبل العربي، ولاحظوا اللغة الناعمة التي يتحدث بها ساسة الغرب عن «الإخوان». ومثل هذا يقال عن المشهد الليبي الذي تتصدّره قيادات إخوانية من العيار الثقيل، وكذا المشهد اليمني والسوري والتونسي وإنْ بدرجة أقل.
من خلال هذا الإطار، نستطيع أن نتفهّم التسويق المكشوف لحركة حماس الإخوانية - والتي اتفقت رؤيتها فيما يتعلق بإعلان الدولة الفلسطينية مع رؤية ناتنياهو! - وذلك من خلال إعلان خالد مشعل لصفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل، والتي اعتبرت أنّ الرأس الإسرائيلي يعادل ألف رأس عربي أو يزيد!. ومن خلال الإطار ذاته، نتفهّم منح جائزة نوبل للسيدة توكل كرمان، والتي تستحق الجائزة بالتأكيد، ولكن هل يمكن أن نغفل الرابط بين توجُّهها «الإخواني» المعلَن ونيلها للجائزة؟. وبمناسبة الحديث عن هذه المرأة الفولاذية، فإننا نعتب على أحد زملائنا الكتّاب، والذي ما أن سمع نبأ فوزها حتى هجم على السيد « قوقل»، وما ان تراءى له من يشبهها بالاسم، حتى أطفأ الأنوار وهجم عليها بكل عنفوان الرجال الأشداء، وهو موقف نستغربه من ذلك الزميل، والذي كنا نأمل أن يكون أول من يشد من أزرها، لا لأنها تستحق هذا الشرف وحسب، ولكن لأنها جارة لنا وله على وجه الخصوص، ولكن هيهات.
وختاماً، نؤكد أنّ ما كُتب أعلاه هو قراءة مجرّدة للأحداث، ولا يعني اعتراضاً على مشاركة الإخوان المسلمين في الحراك السياسي، إذ سبق وقلنا إنه لا أحد يمانع في ذلك طالما التزموا بطرحهم المعلَن فيما يتعلّق بالحقوق والحريات.
فاصلة: إلى ذاك الذي هاجم السيدة توكل كرمان، وقال إنها مُنحت جائزة نوبل لأنها رمت بخمارها!، نسأل: « أليست هذه المرأة تنتمي إلى نفس «التيار الفكري» الذي تنتمي أنت إليه؟ ثم أليست جل المذاهب الإسلامية ترى بأنّ الحجاب الإسلامي هو بالضبط ما ترتديه السيدة كرمان»؟.
Ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@