أنهت الأزمة المالية عامها الثالث دون حلول نهائية فما زال سرطان الأزمة يغادر من قارة لأخرى وتتطور أشكاله بتسارع كبير دون أن يواكب ذلك معالجة تستبق انتشاره أو تتناسب مع خطورته.
وإذا كان الأمريكيون قد تعاملوا مع أزمتهم بضخ مالي هائل إلا أن عدم فعالية الحلول نبعت من التوزيع الخاطئ لتلك الأموال فقد تركزت الحلول على إنقاذ القطاع المالي وتمويل لرؤوس أموال بنوك وشركات متعثرة إلا أن الإنقاذ عالج نصف المشكلة وقد توجهت الكثير من هذه الأموال للمضاربة في الأسواق المالية وأسواق السلع لكن الجانب الأبرز وهو البطالة لم تنل نصيبها الكافي من الاهتمام كمصدر لحل الازمة فبعد ارتفاع التضخم عالميا بفعل التركز المبالغ فيه بأسواق السلع تحديدا وقد خرجت الصرخة أخيرا من العاطلين عن العمل بأميركا ليخرجوا إلى مركز المال العالمي مطالبين بمحاسبة بارونات المال الذين تم إنقاذهم على حساب الغالبية المتضررة عبر حركة احتجاجية أسموها احتلوا وول ستريت فهم يرون أن دافعي الضرائب هم من تحمل تكاليف خطط الإنقاذ ولم تنعكس عليهم إلا بطالة ولقد استاقت إدارة الرئيس الأمريكي مؤخرا وطرحت خطة لتوفير فرص العمل ولكنها مازالت تصطدم بمعارضة من الجمهوريين كما حدث عند طلب رفع سقف الدين قبل شهرين والذي أقر بعد مخاض عسير وبالرغم من أن أميركا هي رائدة الحلول للمشاكل الاقتصادية لكن هذه الأزمة اختلفت عن سابقاتها من الأزمات بأنها عكست وجها آخر لها وهو الخلاف السياسي حول حلولها مما قلل من فعالية الحلول وعمق الأثر الاجتماعي لانعكاساتها السلبية.
لكن الحالة في منطقة اليورو أشد سوءا من أميركا فقد ظهر بشكل واضح غياب الحلول الجذرية وعدم التوافق بين قادة دول المنطقة وساستها وتأخرهم عن التعامل مع أزمة الديون السيادية بوقت مبكر وبفعالية مناسبة تستوعب أي احتمالات لتفاقهما الأمر الذي أدى لانتقال الاحتمالات إلى واقع مرير استلهم معه عاطلو أوروبا فكرة حركة احتلوا وول ستريت ليتظاهروا قبل عدة أيام بأكبر مدن منطقة اليورو والغريب أن أصوات أوروبية مسئولة مازالت تعبر من خلال تصريحاتها عن حالة التخبط والتردد في الاستقرار على الحلول الجذرية للأزمة التي وعد بها قادة ألمانيا وفرنسا بل إن تلك التصريحات السلبية تأتي من مسئولين بالدولتين القائدتين لأوروبا قبل غيرهم مما انعكس بمزيد من زعزعة الثقة بمستقبل أثر أي حلول طبقت أو ستطبق.
حتى أن دول مجموعة العشرين حثوا الأوربيين على سرعة إيجاد وتنفيذ الحلول التي يتحدثون عنها فكثير من دول اليورو ما زالت تعيش حالة الفردية بالتعامل مع الأزمة دون النظر إلى أن الوحدة النقدية لا تقبل بهذه العقلية بإدارة الأزمات وأن على الجميع نسيان مرحلة ما قبل هذه الوحدة والتعايش معها كواقع يفرض تضامنا مطلقا ويلغي المكاسب أو المصلحة الخاصة لكل دولة لمصلحة المنطقة بل والعالم أيضا.
فأوروبا تريد مشاركة عالمية لحل أزمتها بالوقت الذي ترسل إشارات سلبية يوميا للعالم تعكس حالة الخلاف الحاد داخل بيتها مما يخلق ردة فعل مترددة وحذرة من الدول القادرة على المساعدة ففي ظل الأزمة تريد دول اليورو من كافة الشركاء بالمنطقة وتحديدا الدول الأكثر تضررا أن تضع حلول داخلية معروف أنها تحتاج لوقت طويل للتطبيق كشرط لتقديم أموال الانقاذ ثم بعد ذلك يصلون للقناعة بأن تلك الشروط تعجيزية بالوقت الحالي فيبادرون لتقديم المال بوقت متاخر أو عند الرمق الأخير مع تقديرات كانت تقلل من اهمية بعض الحلول أو حتى حجم الضرر المتوقع ثم يعودون للمربع الأول ليؤكدوا عمق المشكلة كما يحدث حاليا مع القطاع المالي الأوروبي الذي لم يتم الاعتراف بأزمته إلا مؤخرا بالرغم من التحذيرات من احتمالية تعثره والتي أشار لها الكثيرون قبل عامين تقريبا.
فما تقوم به فرنسا والمانية من دور لحل أزمة منطقتهم وما يصاحب ذلك من تردد وتغيير بالتوجهات لصيغة الحل ينقلنا لمربع التحليل السياسي لتلك الحلول أكثر من الاقتصادي فهل تريد الدولتان ترويض بقية الشركاء سياسيا وهل استذكارنا لتصريح الرئيس الفرنسي الأسبق شيراك عندما أعلنت أميركا حربها على العراق ورفضت الدولتان الأكبر في أوروبا تلك الحرب فتفاجؤوا بمشاركة دول من المنطقة بها حيث قال إن الوحدة الاوربية يجب أن تكون بكل الجوانب وليست اقتصادية فقط مما يعني أن هناك توجها لفرض حالة اتحاد حقيقي والأزمة تمثل فرصة لوضع الجميع في قارب واحد لا يتخطى أحد منهم التزامه اتجاه هذا الاتحاد ومستقبله في ظل التغييرات الدولية بعد سقوط المعسكر الشرقي.
الاقتصاد العالمي يعيش أزمة كبيرة حاليا يكتنفها الغموض بحجم النتائج السلبية المحتملة وسبب ذلك يعود بشكل أساسي إلى أزمة قادة مستعدون لبلورت الحلول والتعاطي مع الأزمة بقدر حجمها الكبير فعلا وليس قولا فإذا كان الحل للأزمات الاقتصادية العالمية دائما يأتي من أميركا فإن الاستقرار تصنعه أوروبا وهذا ما اكد عليه الأمريكيون الذين يرون أن مستقبل نجاة اقتصادهم من الركود المزدوج مرهون بحلول أوروبية ناجعة حتى يساهم العالم الثري ببقية المهمة.