لن يكون من نافلة القول، ولا أيضا من نوع التكرار الممل، بل لعله من الأمانة, ومجدي القول, أن نكرر ما قلناه، بأن دور البيت، ومن ثم الأسرة، والجار, والمعلم، وصديق الأب إن وجد، وصديقة الأم إن قربت, كل أولئك, هم المحضن للشباب في فترات نموهم الذهني, وتشكيل قناعاتهم, ومفاهيمهم, ومن ثم ليكونوا قادرين على اتخاذ قراراتهم ,بشكل منطقي مسؤول،..
وقد كتبت كثيرا عن أدوار كل هؤلاء، وتحديدا الوالدين، ولا أستبعد المعلمين، بوصفهم الآباء أقرب ,وألصق ,وأكثر الأفراد الذين لهم مساس مباشر بالأبناء, وبوصف المعلمين الأبعد تأثيرا في هذه المرحلة العمرية..,
هؤلاء هم المحضن النفسي والفكري والسلوكي الأساس للشباب..
إنهم مركب الإبحار،..
دعاني لهذه الإعادة التي أتمنى أن تكون فيها إفادة، ما نشرته الصحف صبيحة يوم أمس, عن مضمون ما تم في جلسات محاكمة المتهمين الخمسة في قضية تفجيرات الرياض ,وتحديدا في قضية « الدندني»..
إذ أسندوا إلى صغر سنهم، أمر عدم قدرتهم على التفريق بين الصواب، والخطأ، فيما يتلقونه من المعلومات، ومنهم من رد تورطه إلى سبب جهله ببعض المفاهيم، أو انسياقه وراء ما وجِّه له، فتوجه إليه.., دون قدرته على الفصل بين ظاهر ما أدرك، وباطن ما خفي عنه..
فأين المحاضن في ذلك الوقت عنهم..؟ أين يذهبون، ومع من يجلسون، وممن يتلقون, وفيم يفكرون, وماذا سيفعلون..؟
ولعل فيما قالوه ما يرفع نسبة مسؤولية الآباء, الذين كانوا في غفلة عن أبنائهم،..
وفي غياب بيئة تربوية في المدارس تؤسس لمفاهيم صحيحة في أذهان الجيل..
إن الدور الصحيح المسؤول للمحاضن, وهي ليست تعني حضن الأم في فترة المهد، بل تعني محضن الأب في فترة الصبا، وطلعة العود، لابد أن يُدرك أنه أكبر, وأوسع ,وأبلغ أهمية، مما كانت عليه حال هذه المحاضن،
في هذه المرحلة من نشأة الأبناء، حين يكون للقيم أن تتشكل, وللمفاهيم أن تؤسس، وللطرق أن تستبين وللنهج أن يبسط..
في هذه المرحلة، حيث العقول غضة، والنفوس بضة، والأذهان نقية، والأرواح مشعة.
يكون دور المحاضن, إما أن تزيدها نورا, فتهتدي به.
أو تدعها تتخبط في ظلمات جهل يفاعة، فتضللها أي يد تمتد بما فيها إليها..
إن في نهج وزارة الداخلية بالكشف الإعلامي عن نقاط مهمة في محاكمات تعلن مضامينها، لهو سبيل للاستنارة والتنبيه، وتقديم خلاصة جادة كمشروع عمل للآباء, والمربين، بل أصحاب القلم, ليزيدوا تنويرا لمن يقرأهم, وليزيد تنويرا أولئك الآباء, والمعلمين ,والمربين ,
فليعيدوا التفكير في علاقاتهم بأبنائهم.., وطلابهم، من أجل أمانة الرعاية.. وأهمية الاقتراب منهم، لاتقاء أسباب تعود بهم، إلى سالب السلوك، ووخيم النتائج..
إنها المحاضن.. إنها المحاضن...
فما تشهد عنك في دورك..؟