حينما يجتمع الأفراد للاحتفال بمناسبة رياضية أو وطنية، يتشكل لديهم سيكولوجية من نوع مختلف، تلك السيكولوجية التي تحولهم من أفراد متفرقين يحملون قيماً اجتماعية ونوازع أخلاقية ودينية إلى أفراد يحملون نزعات فوضوية وشحنات احتقانية
للتدمير والعبث. التشكيل العشوائي للجمهور يُغيب قصراً الردع الاجتماعي والأخلاقي فيسهل إشعال الفتنة وممارسة السلوكيات غير الأخلاقية. بخلاف ما يصدر بسابق إصرار وقصد عن تلك الجماعة التي تشكلت بطريقة عشوائية من ممارسات لا أخلاقية لإثبات الإنتماء والولاء عبر التعبير عن المكنونات الشخصية الكامنة لديهم ضمن تلك الجماعة التي تشكل بيئة خصبة حيث غياب الرقابة الذاتية والرقابة المباشرة.
لدى معظم أفراد تلك الجماعات وبحكم تشكيلها العشوائي وبالتالي غياب الردع الذاتي أو الوازع الأخلاقي، لديهم ميل للتمرد والقيام بالفوضى تعبيراً عن حالة انفعال عاطفي فرحاً كانت أو حزناً أو رغبةً بالقيام بانتقام نتيجة الشعور بظلم معين. تلك الجماعات التي يشكلها أفراد غالبيتهم من ذوي المستويات الثقافية المحدودة وضيق الأفق ما يجعل خروجهم عن النص الأخلاقي في مناسبات مختلفة أمراً سهلاً.
تقع مسئولية توعية الأفراد على عدد من الجهات التي ينبغي أن تزرع لديهم ثقافة التواجد ضمن جماعة وأن ذلك لا يلغي بأي حال من الأحوال الحدود المعقولة للتأدب الإجتماعي ولا يجب أن يزيل القيم الأخلاقية التي يحافظ عليها الفرد حينما يكون وحيداً أو ضمن جماعة تم تشكيلها بطريقة معينة. ينبغي على أجهزة الإعلام أيضاً أن تنبري للتصدي لتلك الحالات قبل وقوعها وليس بعده، ينبغي أن توصل للفرد أن الهاجس الذي يفترض أن يثبت من خلاله ولاؤه وانتماؤه يجب أن لا يتجاوز الفرح المقبول والهتاف المسموح في المناسبات الوطنية، تلك المناسبات التي بات معظم أولئك الأفراد ينتظرونها للتعبير عما لا يستطيعون التعبير عنه في حضرة الرقابة المنزلية أو المدرسية أو حتى بشكل منفرد.
تولي الدولة رعاية خاصة لشباب هذا الوطن تتضح من الأهمية القصوى التي تنتهجها في برامجها التنموية الشاملة التي توجهها للشباب ومستقبل الشباب على المديين القصير والبعيد في مناحي الحياة المختلفة. وما ذلك إلا لقناعتها للدور الهام الذي يفترض أن يلعبه الشباب في بناء حضارات الأمم ، ودفع عجلة تقدم الشعوب. كيف لا وقد أثبت العالم من حولنا أن من يدفع عجلة التقدم في مجالات الحياة المختلفة هم من شبابه.
وماسبق من اهتمام الدولة وماسيلحق ماهو إلا من خلال إدراكها واستشعارها ليس بمسئوليتها عن تطوير الشباب وتقدمه فقط بل لقناعتها أن المسئولية المستقبلية لمتابعة عجلة التقدم تقع على عاتق شباب اليوم الذي يعتبر سواعد الأمة التي يجب أن يعتمد عليها ويعمد إلى تقويتها ودعمها.
الشباب كنوز الوطن المخبوءة لأيام القحط، وسيوفه المشرعة في وجه أعدائه المتربصين، ويده القوية في البناء والتنمية، وما من أمة على وجه الأرض تحترم نفسها وتستشعر مسئولياتها إلا وتتعهد هذا الغرس الطيب بكل ما تؤتى من إمكانات وإمكانيات مادية ومعنوية، تسلحه بالثقة، وتغذيه بالعلم، وتسقيه مكارم الأخلاق، وتستميت لتقييمه وتقويمه، وتشربه تعاليم الدين الحنيف.
ومما يقلق في هذه المرحلة الحرجة من حياة أمتنا ما نراه من تصرفات من شبابنا في أي مناسبة وطنية أو رياضية أو حتى في ختام العام الدراسي، إن انصراف الشباب إلى حياة اللهو والراحة في حدود اللائق اجتماعياً ودينياً لهو أمر مقبول وحسن، أما التعدي على الغير وممارسة سلوكيات غير مقبولة فذلك لا يقبله دين ولا عقل ولا منطق.
ويبرر بعض ناقصي العقول هذه الغفلة، والانصراف عن هموم الوطن والأمة بأنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم، وأن يتمتعوا بشبابهم، وكأن الشباب في مخيلتهم السقيمة للمتعة والاستمتاع فقط، ألهذا منح الشباب القوة والقدرة والمرونة ؟.
إن أمتنا ومجتمعنا اليوم أحوج ما تكون إلى جهود العاقلين المخلصين من شبابها حاجة الأرض العطشى إلى مدامع الغيث ، لأن الشباب وحدهم القادرون على حمل بشائر التفاؤل والأمل إلى صدور أبناء الأمة، القادرون على منح الأمة ابتسامة رجاء وأمل تحفظ وجودها وتمنحها إمكانية الاستمرار في مواجهة الأخطار والمحن المتكالبة على أبنائها، المحيطة بهم من كل حدب وصوب إحاطة السوار بالمعصم، ولن يكون ذلك إلا إذا تخلص الشباب من أمراض التفاهة والميل إلى اللهو واللامبالاة وتخلصوا إلى الأبد من التقليد السطحي الأعمى لأبناء الأمم الأكثر مدنية وتبرؤا من شعورهم بالغربة والانسلاخ عن وطنهم وأمتهم .
إن الانتماء الايجابي للوطن يحتم على الشباب أن يعملوا مخلصين على الخروج من ظلمة الجهل والتبعية إلى نور العلم، والشعور بالقدرة والكرامة والاستقلال، وأن يأخذوا بكل السبل المتاحة للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إلى الحد الذي يضمن لهم الكرامة والشعور بالحرية ويضمن لأمتهم الهيبة والاحترام بين أمم الأرض، وما ذلك على الشباب بعسير لو توفرت الإرادة المخلصة والعزيمة الماضية والإيمان الراسخ.
والسؤال المطروح والجريء في ذات الوقت وأنا أعلم أن شريحة الشباب المقصود في هذا المقال قد لا يقرؤون مقالي هذا لانشغالهم بلهوهم ولعبهم، من من الأطراف الثلاثة في غفلة من أمره ؟ أهي الجهات الرسمية التي يقع على عاتقها ليس فقط ماتقدم من الرعاية المطلوبة لشباب الأمة وعضدها بل وتنوير الشباب بالدور المناط بهم في القادم من الأيام أم تقع المسئولية على الشباب الغائب الحاضر الذي ربما لايعي مسئوليته ولا ينظر بعين التقدير لما تقوم به الدولة لتطويره وتطوير قدراته وبناء وتنمية استعداده لتولي زمام الأمور، أم الأسرة التي ينبغي لها أن تعي مسئوليتها في تربية الأجيال.
سؤال أطرحه بسذاجة بالغة إذ لايمكن لعاقل أن لايدرك أنها مسئولية مشتركة ولكن على من يقع عاتق تنوير الطرفين بها؟ هذا ما أود سماع إجابته. والله من وراء القصد.
dr.aobaid@gmail.com