هل يأتي زمنٌ يقايض فيه العرب رجلاً عربياً واحداً، بألف رجل إسرائيلي؟ وهل ثورات الشعوب العربية الراهنة بحثاً عن كرامة مفقودة ستعيد إلى الإنسان العربي بعض أنفته وعزته؟ هذه الأسئلة التي ما كففت عن التفكير فيها حالما قرأت أن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي تم اختطافه في غزة عام 2006م سيعود إلى إسرائيل بثمن قدره أكثر من ألف سجين عربي!
هل انتهى الخبر عند ذلك، لا طبعاً، فلم يزل لإعادة مجد الجندي بقية، فمن غير اللائق أن يعود السيد جلعاد بقميص السجن أو رداء الاختطاف، بل لا بد أن ترسل إليه بزته العسكرية إلى القاهرة كي يعود بها إلى تل أبيب، هكذا هو الحال إذن!
وهكذا سيخرج الفلسطينيون من السجن برداء الحرية وحده، وهكذا سجل أحد هؤلاء، وهو السيد نائل البرغوثي، معجزة أن يكون أقدم سجين في العالم بأن أمضى زهاء 33 سنة معتقلاً، وذلك منذ اعتقلته سلطات الاحتلال في الرابع من أبريل 1978م، أي عندما كان في التاسعة عشرة، وها هو يخرج من المعتقل في الثانية والخمسين من عمره، يااااه، يا له من زمن طويل! كأنما كان هؤلاء المعتقلين كانوا فقط بحاجة إلى جرأة شجعان يختطفون جندياً واحداً كي يحررون أنفسهم!
وكأنما تعجّل الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، حينما كتب قصيدة طويلة في مجموعته «زهر الرمان» قبل أحد عشر عاماً، متنبئاً بمشاعر أهل السجين المفرج عنه، إذ يقول:
شال أمه يكاد، في الرقصة، يفلتُ من يديها الطائرتين
أغنيتها ترفع سقف الدار أمتاراً
عقال أبيه
انحدر إلى نشوة العنق
قلادة سوداء تتأرجح في المسرَّة
عكَّازه المسن، يرقص الأعالي
لا أجمل من عجوز يهزه الرضى!
لكن أين هو العجوز يا مريد كي يرضى، أين هو كي يرقص الرقصة المتخيلة في القصيدة، هل ما زال حيّاً، هل أمّ السجين وأبوه ما زالا يشمّان الهواء، وينتظران صغيرهما ذا التاسعة عشرة كي يعود، أم تركا هذه الحياة بحسرة انتظارهما الطويل، ما أصعبها على العربي الذي مات قبل أن يقف أمام الكاميرا ويقول كما التونسي: هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية، أم أنه على العربي الفلسطيني أن ينهض من موته، ينفض غبار قبره، ويعانق الأسير المفرج عنه، ونلبسه الكوفية ثم ندير جمجمته كي ينظر بمحجري عينيه الفارغتين نحو كاميرا القناة الفضائية، ويقول بنبرة الموتى، الذين شبعوا موتاً: متنا ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية؟