|
حوار وإعداد : محمد بن عيسى الكنعان
في هذا الجزء يواصل الضيفان الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود وعميد كلية الشريعة بالرياض سابقاً، والدكتور أحمد بن قاسم الغامدي الباحث الشرعي ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة سابقاً، يواصلان الحوار على مائدة (الجزيرة) حول موضوع (الاختلاط) من زاوية استعراض ومناقشة أبرز الأحاديث الشريفة المرتبطة بوقائع تاريخية جرت في العهد النبوي، فإلى تفاصيل الحوار:
الاختلاط في الطواف
يشير الدكتور أحمد الغامدي إلى أن مسألة الطواف في الحرم من الدلائل التي تعكس واقع الاختلاط، مستنداً بذلك إلى حديث ابن جريج، فيقول: عن ابن جريج أخبرنا عطاء - إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال - قال: كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكنّ يخالطن الرجال، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: عنك، وأبت، فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن، وأخرج الرجال.... الحديث أخرجه البخاري وإسناده صحيح وقد بوب عليه في صحيحه بقوله « باب طواف النساء مع الرجال « فطواف النساء مع الرجال قد أقره عليه الصلاة والسلام وعليه عمل السلف، ولو كان الاختلاط محرماً لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين طافوا معه بالبيت الحرام نساء ورجالا أحق الناس بامتثال ذلك ومنع الاختلاط في العبادة أولى من منعه في الحوائج الدنيوية، وقد كان ذلك في حجة الوداع بعد آية الحجاب). غير الدكتور الفنيسان يرى المسألة بشكل مغاير، فيقول موضحاً: (هذا الاستدلال عجيب، فكيف يتمسك بسؤال السائل ويترك جوابه، وهو ثلاث جمل في الحديث صريحة بنفي الاختلاط وتحريمه. الأولى: لم يكن يخالطن الرجال. الثانية: كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم. الثالثة: امتناع عائشة وإنكارها على المرأة استلام الحجر مع زحمة الرجال. وإنما صاحب الهوى يتمسك بالقشة لتبرير موقفه كما يقول مؤول هذا الحديث وتسويقه للاختلاط تمسك بجملة واحدة ( بعد الحجاب)ويتجاهل الجمل الثلاث الصريحة بمنعه نعم أن الحديث بعد نزول آية الحجاب ولكن لم يكن يخالطن الرجال، وأيضا من يقول: إن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن كن يخالطن بأجسامهن أجسام الرجال الأجانب في الطواف أو غيره أليست عائشة تطوف خلف الرجال وامتناعها عن استلام الحجر الأسود أبين وأظهر ولكن من لم يجعل له نورا فما له من نور).
الاختلاط في المسجد
أيضاً يستشهد الدكتور أحمد الغامدي بمسألة مهمة يعيشها الناس خمس مرات في اليوم، مشيراً إلى حديث عن أبي سعيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)، فيقول: (أخرجه أبو يعلى وإسناده صحيح والاختلاط مقر في المسجد، وليس فيه أكثر من حث الرجال على الصف الأول وإرشاد النساء بالتباعد عن صفوف الرجال تجنباً لأسباب الفتنة بين الجنسين في الصلاة، وهذا ما تفيده لفظة (خير) فإنها لا تفيد تحريم الاختلاط، كما احتج بهذا الحديث على المنع، وإنما يرشدنا الحديث إلى أفضل الصفوف وأقلها فالشر هنا نسبي، فإن الصلاة خير كلها للرجال والنساء وهم بلا شك مأجورون على الصلاة كلهم). إلا أن الدكتور الفنيسان يوضح حول حديث صفوف الصلاة بقوله: (نسب الحديث إلى أبي يعلى الموصلي ولفظه عنده: (خير الرجال المقدم وشرها المؤخر وخير الصفوف النساء المؤخر وشرها المقدم) واللفظ الأول في صحيح مسلم برقم (44) وقد تجاهله وفي مسند أبي يعلى برقم(1102) 2- 354 واختار قلب الإسناد من أجل أن يهّون دلالة الخير والشر في الحديث.
الاختلاط في الوضوء
كذلك يضيف الغامدي مسألة الوضوء للدلالة على جواز الاختلاط، فيقول: (ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا. أخرجه البخاري في صحيحه، وفي قوله جميعاً جواز الاختلاط عموماً، وأنه ليس من خصوصياته عليه الصلاة والسلام. وجاء في رواية مفسرة صحيحة بلفظ: أنه - أي ابن عمر - أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه) أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح. وجاء في رواية صحيحة بلفظ: كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا. أخرجها أبو داود، وإسنادها صحيح، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، ويؤكد بعضها بعضا ويفسره وكلها تفيد جواز الاختلاط عموماً، وقد وجهه بعضهم بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه يرده منطوق تلك الروايات التي تنص على الرجال والنساء جميعا وبالتعيين حديث أم صبية رضي الله عنها فكل رواياته تقطع بجواز الاختلاط عموما. لكن الفنيسان يرى أن هناك نقصاً في هذه المسألة لوجود حديث آخر يعتمد عليه حديث الوضوء، فيقول موضحاً: (لقد تجاهل القائل بذلك حديث عائشة عند البخاري الذي يفسر حديث ابن عمر وهو: قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، والغسل أعم من الوضوء، والمراد (الرجال والنساء جميعاً) أي كل رجل وزوجته أو أمته، وعلى هذا عمل الصحابة والتابعين، انظر هذه المسألة مفصلة في مصنف ابن أبي شيبة، بل هناك تجاهل لتبويب البخاري على حديث ابن عمر: باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة..، كما تجاهل قول الحافظ ابن حجر وهو:ومناسبته - الحديث- للترجمة من جهة الغالب أن أهل الرجل تبعا له فيما يفعل. فأشار البخاري إلى الرد علة من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل. .ثم قال: وفيه دليل على طهارة الذمية واستعمال فضل طهورها، ولا مانع أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات مع الأزواج..، فتح الباري. مضيفاً: (ليت القائل بذلك أن يفسر لنا كيف يجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء بين الرجال والنساء وتكشف المرأة أعضاء الوضوء وربما الاستنجاء!!؟ كما يزعم- فإذا أقيمت الصلاة فرق بينهم وباعد بين صفوفهم وصفوفهن !). كما يضيف: (لو كان داعي الاختلاط يعقل لفهم كما فهم من سبقه من السلف والخلف أن هذا الصنيع بين الرجال والنساء كانبين الأزواج وزوجاتهم. أو أنهم كانوا يتناوبون في الوضوء من الإناء لصغره نسبة لكثرة المتوضئين كما يتناوب الناس اليوم على الحمامات والصنابير لضيق محلها بالنسبة للمجموع، وما يؤكد هذا ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح عن أبي سلامة الحيي قال رأيت عمر بن الخطاب أتى حياضاً عليها الرجال والنساء يتوضؤون جميعا فضربهم بالدرة ثم قال لصاحب الحوض: اجعل للرجال حياضاً وللنساء حياضا.ً.).
لكن الغامدي يعود بحديث آخر، ويقول: (عن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم من ذلك رؤية ما لا يجوز من المرأة). فيعقب الفنيسان بقوله: (حديث أم صبية الجهنية عند أحمد وأبي داود وابن ماجه، لا يحتج به لضعف إسناده، فقد رواه أحمد بطريقين في أحدهما انقطاع وفي الآخر راو لا يحتج به، فالإسناد الأول منقطع بين عبد الرحمن بن مهدي وخارجة بن الحارث المزني، وفي الإسناد الثاني أسامة بن زيد الليثي ضعيف لا يحتج به: تركه ابن القطان وقال فيه الإمام أحمد ليس بشيء ( تهذيب الكمال 2- 349) وأسامة بن زيد هذا أحد رجال إسناد أبي داود وابن ماجه فهما ضعيفان لضعفه. وأم صبية هذه فهي جارية (أمة) لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكره البيهقي في كتابه (الدعوات الكبير) وأمة الزوجة لا تحتجب من الزوج، وذكر ابن سعد في (الطبقات) أن أم صبية قالت:( كنا نكون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر - نسوة قد تجاللن وربما غزلن وربما عالج بعضا فيه الخوص فقال عمر: لأردكن حرائر فأخرجنا منه إلا أنا كنا نشهد الصلوات في الوقت). فمهنة الغزل الصوف وسف الخوص والسعف من حرف الموالي عند العرب. وقول عمر ( لأردكن حرائر) أي فألزمكن الحجاب، وهذا يؤكد أنهن موالي وأم صبية منهن فلا ضير أن تتوضأ هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد. وأيضا أخرج بن سعد في الطبقات بسنده (المصدر السابق) عن أم صبية الجهنية أنها قالت: ( كنت أسمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وأنا في مؤخر النساء وأسمع قراءته. ق والقرآن المجيد على المنبر وأنا في مؤخرة المسجد) منها هي تصلي في مؤخرة صفوف النساء وفي آخر المسجد ثم تنسب إلى الاختلاط. سبحانك هذا بهتان عظيم). كما يضيف: (إن عامة الأحاديث الذي يُظهر فيها اجتماع الرجال بالنساء فسرها العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم - بأمن الفتنة. ونادرا ما تحصل ولهذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء بأكثر من حديث كحديث أسامة بن زيد في الصحيحين:( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) وحديث أبي سعيد الخدي المتفق عليه أيضا (...فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ولا أدل على ذلك من حديث ابن عباس في الصحيحين في قصة المرأة الخثعمية مع الفضل بن عباس وهو رديف النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان ينظر كل منهما إلى الآخر وهما محرمان بالحج والرسول صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر - أكثر من مرة...وإن معاني (الفتنة) في اللغة كما في لسان العرب: الحب والوله والعشق، يقال: فتن الرجل بالمرأة وافتتن بها إذا ولّهته وأحبها. ويقال فتن الرجال بالنساء: أرادوا الفجور بهن وفتنة الرجل بالمرأة عند الفقهاء هي: أن يشتهيها الرجل بقلب أو تزيد شهوته لوصالها عند مماستها أو النظر إليها).
الاختلاط بين التحريم والجواز
يؤكد الدكتور الفنيسان حرمة الاختلاط من واقع أحاديث صحيحة، فيقول: (من أبرز الشواهد على تحريم الاختلاط الأحاديث الصحيحة والصريحة التي عمل بها ولاة الأمر من العلماء والحكام منها، حديث عقبه بن عامر في الصحيحين في الخلوة مع غير المحارم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو: الموت. قال ابن الأثير في النهاية: والحمو واحد الأحماء وهم أقارب الزوج كأبيه - إذا كان هذا في المحرم- فكيف بالغريب البعيد. أي مُت ولا تفعلن ذلك، وهذا كقول العرب: الأسد الموت والسلطان النار - أي لقاؤها مثل الموت والنار) ا.هـ-، وحديث ابن عباس في الصحيحين أيضا في وجود محرم المرأة في السفر: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. وجاء في النهي عن مضايقة النساء ومزاحمتهن الرجال في الطرقات والأسواق - حديث أبي أسيد الأنصاري عند أبي داود أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن [توسطن] الطريق. عليكن بحافات الطريق يقول الراوي - فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. وحديث أم سلمة في الصحيحين: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسلم من صلاته فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله من المسجد. قال ابن حجر تعليقاً على هذا: وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا ًعن البيوت. وحديث عائشة في الصحيحين أيضا: والله ما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة غير أنه يبايعهن كلاماً. من هذه النصوص وغيرها يتبين أن حفظ العرض وصيانته والدفاع عنه من الضروريات الخمس التي جاءت بها كل الشرائع السماوية. ولا يدرك هذا أو يحامي عنه إلا من أعطاه الله بصيرة في العقل والدين).
من جهته يشير الدكتور أحمد الغامدي إلى جملة وقائع تعكس صوراً من الاختلاط في تلك العصور المتقدمة، فيقول: (عن سهل بن سعد قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك) أخرجه البخاري، وبوب عليه في صحيحه «باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس» قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) سورة الحشر
أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه تشريع ثابت بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وذلك كافٍ في جوازه. وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث) أخرجه البخاري في صحيحه. وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة. أخرجه البخاري في صحيحه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلا آذنتموني»، فأتى قبرها، فصلى عليها. وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئا) ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها،فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ،فانطلقت ورجعت، فبايعها.. وعن أم الفضل بنت الحارث: أن أناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه.. أخرجه البخاري.
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه: (وفي الحديث من الفوائد.. المناظرة في العلم بين الرجال والنساء) (فتح الباري 5-142).
و عن أنسٍ، عن أمِّ حرامٍ - رضي الله عنها - وهي خالةُ أنسٍ، قالت: (أتانا رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - يوماً فقالَ عندنا، فاستيقظ وهو يضحكُ، فقلتُ: ما يضحكك يا رسولَ الله، بأبي أنت وأمي ؟ قال: ناسٌ من أمتي يركبون البحرَ، [وفي رواية: ناس من أمتي عُرِضوا علَيّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر] كالملوكِ على الأسِرّة في سبيلِ الله، فقلتُ: ادعُ الله أن يجعلَني منهم، فقال: أنتِ منهم.....قال: فتزوجها عبادةُ بنُ الصامتِ بعدُ، فغزا البحرَ فحملها معه، فلما أن جاءت قُرِّبت لها بغلةٌ، فركبتْها، فصرعتْها، فاندقّتْ عنقُها..! فهذه الصحابية تمنت أن يدعو لها صلى الله عليه وسلم فلم يُنكر ذلك عليها، ولم يقل لها: إنك تُعَرّضين نفسك للفساد، وبيتُك خيرلك، فقرّي في بيتِك، بل دعا لها، وبشّرها بهذه الأمنية وتحققت أمنيتها بعد وفاته عليه الصلاة والسلام في زمن معاوية رضي الله عنه. وما احتج به المانعون ضعيف، ومع ذلك لا يدل على منع الاختلاط، وغيرها من الأحاديث الصحيحة التي تحتاج إلى مساحة أكبر.
يتبع في الجزء الثالث والأخير