الرياض ـ خاص ـ بـ»الجزيرة»:
لمنبر الجمعة دوره الكبير في التعريف بشعيرة الحج وأهميتها للمسلم، وكيفية أدائها والواجبات والمناسك التي يجب على الحاج القيام بها, وبيان الأخطاء التي يقع فيها البعض، ولاشك أن للأئمة والخطباء ومن يرتقون المنابر دوراً أساساً في توعية المسلمين بفريضة الحج؟ كما أن لهم دوراً وأثراً في التعريف بالركن الخامس، «لبيك» استطلعت آراء مجموعة من أئمة الجوامع في المملكة وخطبائها حول مسؤولية المنبر، فماذا قالوا؟
دور فعال
الشيخ عبدالله بن سعيد أحمد الحريري إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله بن حميد بمكة المكرمة يؤكد أن جوهر الخطبة وقيمتها ينبثق من مكانة الكلمة في هذا الدين، وعظيم منزلتها، وبعد مغزاها، وعظيم مرماها، فالكلام البديع، والأسلوب الرفيع، والمعنى الآسر والتركيب الجذاب يأخذ بالألباب، ويؤدي الأثر العجاب حيث يهز القلوب هزاً، ويأسر الضمائر أسراً، فكم خلدت كلمات على مر الدهور وكر العصور انطلقت من منبر من منابر الجمعة، لذا يأتي واجب الخطيب في حسن الإعداد متوجاً ذلك بحسن النية وسلامة الطوية، فالأمور بمقاصدها.. فالخطيب الموفق: من يراعي الأهميات، مركزاً على التأصيل العقدي، والزاد الإيماني، بما يصل العباد بخالقهم في أمور عقيدتهم وعباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم وسلوكهم فالخطيب كالطبيب، يشخص أدواء المجتمع وعلله ويصف الدواء الناجع لها بحكمة واقتدار لأن من أهداف خطبة الجمعة تعليم الناس ما يحتاجون إليه من عقائد وأحكام ليرتفع عنهم الجهل ويتفقهوا في دين الله - تعالى - وقد رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العمل الجليل وبين عظيم أجره وثوابه فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخير).
ويضيف قائلاً: إن من الأمور الشرعية التي يحتاج الناس إلى تعلمها والتفقه فيها وبيان أحكامها ما يتعلق بركن الحج تلك الشعيرة العظيمة التي يجتمع الناس فيها من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق الأجناس مختلفة والوجهة واحدة فإذا كان الخطيب في مكة المكرمة فعليه عبء كبير في تعليم الناس بمناسك الحج وما يتعلق به من الواجبات والأركان والسنن وما يحسن به من التقديم والتأخير ليصغي السامع لهذه الخطبة بصورة متكاملة تجيب على التساؤلات التي قد تخطر في ذهنه، فعندما يدرك الخطيب الموفق رسالة الجمعة ومدى التأثير في خطبته فإنه سوف يؤثر وستكون خطبته بلسماً نافعاً لمن يستمع إليها لأنه يؤمن بأن كل شخص يجب عليه الإنصات ليتلقى هذا العلم فيما يحتاجه لهذه العبادة فالخطيب دوره بارز في تعليم مناسك الحج ومن كان خارج مكة المكرمة فإنه يستطيع أن يشوقهم إلى هذه الرحلة الإيمانية العظيمة ويحثهم على أدائها وتحملها وعظيم أجرها وأن الإنسان إذا أهمل هذه الفترة فقد تعرض له العوارض ولا يستطيع أداءها فاغتنام الصحة مطلب لابد من الخطيب أن يبينه للناس ويشعرهم بهذه النعمة العظيمة.
الحث على تأدية الفريضة
ويقول الشيخ يوسف بن سليمان الهاجري إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح بالرياض: إن حث المسلمين على تأدية ما فرض الله عليهم من الحج إلى بيته الحرام مع استطاعتهم إلى ذلك سبيلاً منهج رباني كريم فإن الله تعالى قال في كتابه: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ), وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا), وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني على هذه الدعائم الخمس فلا يتم إسلام عبد حتى يحج ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج و(عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال حين كان خليفة على المسلمين: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة أي كل من كان غنياً ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين).
ويسترسل قائلاً: إن فريضة الحج إلى بيت الله ثابتة بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين عليها إجماعاً قطعياً فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على خطر فإن الله - تعالى - قال بعد ذكر إيجابه على عباده قال: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ), فكيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه ركن من أركان الإسلام وفرائضه كيف يبخل الإنسان بماله على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق الكثير من ماله في هوى نفسه كيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه كيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلا مرة واحدة كيف يتراخى في أداء الحج ويؤخره وهو لا يدري فلعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟
ويضيف الشيخ الهاجري: إن المسلم إذا أدى الحج والعمرة بعد بلوغه مرة واحدة فقد أسقط الفريضة عن نفسه وأكمل بذلك أركان دينه ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن يوجبه على نفسه بالنذر فإنه يلزمه الوفاء بما نذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، وإن من تمام رحمة الله ومن بالغ حكمته أن جعل للفرائض حدوداً وشروطاً لتنضبط بذلك وتتحدد المسؤولية وجعل هذه الشروط في غاية المناسبة للفاعل الزمان والمكان ومن هذه الفرائض التي جعل الله لها شروطاً الحج إلى بيت الله الحرام فإن الحج له حدود و شروط لا يجب على المسلم إلا إذا توافرت هذه الشروط فمن شروط الحج أن يكون الإنسان بالغاً ومستطيعاً بماله وبدنه لقول الله تعالى: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً), فمن لم يكن مستطيعاً فلا حج عليه، ومن رأى من نفسه أنه قد استكمل شروط وجوب الحج فليبادر به ولا يتأخر فإن أوامر الله ورسوله على الفور دون تأخير, والإنسان لا يدري ماذا يحصل له في المستقبل وإن الله قد يسر لنا - ولله الحمد - في هذه البلاد ما لم ييسره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت وأداء المناسك فقابلوا هذه النعمة بشكرها وأدوا فريضة الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيندم حين لا ينفع الندم: ?(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
التوعية في وقت مبكر
وأوصى الخطيب يوسف الهاجري مع قرب موسم الحج الخطباء وأئمة المساجد بتخصيص خطبة جمعة تتناول هذا الموضوع لترغيب المسلمين في تأدية هذه الفريضة العظيمة، والتبكير في تناول هذا الموضوع في المنبر لكي يبادر الناس قبل إغلاق مكاتب الحج أو امتلائها، والتأكيد على تخفيض أجور تأدية هذه الفريضة وتوجيه النصح للمؤسسات والشركات التي تقدم هذه الخدمة، والحرص على تشجيع الراغبين بالحج بإخراج التصاريح الرسمية من الجهات المسؤولة، وإقامة دروس ومحاضرات متخصصة لتوضيح مناسك الحج وأحكام هذه الشعيرة العظيمة وذلك بالتنسيق مع مكاتب الدعوة والإرشاد المنتشرة ببلادنا ولله الحمد، وإبراز الروح الإيمانية التي يشعر بها الحجاج أثناء تأديتهم لهذه المناسك.
كما أوصاهم بتوضيح التسهيلات التي توفرها حكومة خادم الحرمين الشريفين والتي سهلت تأدية هذه المناسك, والخدمات الكبيرة في هذا المجال، والتأكيد على حسن الخلق والتعامل مع الآخرين وخاصة من غير هذه البلاد ونقل صورة جميلة عن أنفسنا ومجتمعنا ووطننا، والتحذير من السلوكيات الخاطئة والغضب وسوء الخلق مع ضرورة تحمل المشقة والصبر على ذلك، وتحفيز أولياء الأمور بحثّ أولادهم ذكوراً وإناثاً وأزواجهم على تأدية هذا النسك.
بيان المناسك
أما الشيخ محمد بن سليمان الهاجري إمام وخطيب جامع المقرن بظهرة البديعة بالرياض فيؤكد أن لمنبر الجمعة دوره الكبير في التعريف بشعيرة الحج وأهميتها للمسلم، وكيفية أدائها والواجبات والمناسك التي يجب على الحاج القيام بها وحث المسلمين من استطاع منهم على أداء الفريضة، ولذلك ينبغي أن يذكر الخطيب بأن الحج واجب على كل مسلم مستطيع (يملك الزاد والراحلة) مرة واحدة في العمر بشرط أن يكون قادراً على الحج وهو من يتمكن من أدائه جسميّاً وماليّاً، وأن الحج لا يجب على المرأة إلا بوجود محرم لها.
ثم يبيّن حكمها ويحث من استطاع على التعجيل بها من خلال استعراض الأدلة، كقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ), وقالَ - عليه الصلاةُ والسلامُ -: «يا أيُّها الناسُ: إنَّ اللهَ قدْ فَرَضَ عليكُم الحَجَّ فحُجُّوا». رواه مسلم
واستشعار فضل الحَجُّ والعُمْرَةُ وأنهما من أفضلِ العباداتِ وأجلِّ القُرُبَاتِ، بهما تُحَطُّ الأوزارُ، ويَثقُلُ ميزانُ العبدِ بالحسناتِ، ويُرفَعُ في الجنةِ إلى أَعلى الدرجاتِ، يرجِعُ أقوامٌ من تلكَ المشاعِرِ المقدّسةِ إلى بيوتِهم ليس عليهم ذنوبٌ، كيومِ ولدتْهُم أمهاتُهُم، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «من حَجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رَجَعَ من ذنوبِه كيومِ ولدتْهُ أمُّه». رواه البخاري ومسلم، كذلك استشعار بأن الحَج طريقٌ إلى الجنةِ كما قالَ صلى الله عليه وسلم:»الحَجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنَّةَ»، وفي السُنَنِ من حديثِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «تابِعُوا بين الحَجِّ والعُمْرَةِ؛ فإنَّهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ كما ينفِي الكيرُ خَبَثَ الحديدِ».
وطالب الأئمة والخطباء - من خلال خطبهم - بتحذير المسلم من تأخير فريضة الحج دون عذر شرعي فعجبًا لمن تجاوَزَ العشرينَ سنةً أو الثلاثينَ أو الأربعينَ أو ربما الخمسينَ ولم يَخْطُر ببالِه أن يَحُجَّ بيتَ اللهِ الحرامَ، لكنْ تَكَاسَلَ وأَخَّرَ وسوَّفَ، وقدْ تكرَّمَ اللهُ عليه بصحةٍ في الجِسمِ وعافيةٍ في البدنِ وسَعةٍ في المال وأمنٍ في الوطنِ، ثم يُسافِرُ في الإِجازاتِ إلى مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها، فإذا جاءَ موسمُ الحَجِّ جاءتْ الأشغالُ والمثبِّطاتُ، وكأَنَّ الحجَّ ليسَ رُكنًا من أركانِ الإسلامِ العظامِ، وقد كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ -؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ».رواه أحمد. ويقول أيضًا: ((من أراد الحج فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة)) رواه أحمد.
استحضار النية
وشدد على أهمية تذكر الخطيب لعموم المصلين بحِكم الحج التي تشتمل على المقاصد النافعة للفرد والمجتمع. ومنها: اجتماع المسلمين على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وتنوع بلدانهم ولغاتهم، فتتوحد وجهاتهم وأفعالهم في زمان واحد ومكان محدّد، لا يتميز فيه قوم عن قوم، وتلتقي القلوب وتزداد المحبة ويوجد الائتلاف، وتذكر النعم التي نرفل بها ولله الحمد، وتذكر الآخرة من خلال بعض المواقف كتوحد اللباس وأماكن الاجتماع، وكذلك ينبغي تذكير الحجاج باستحضار النية في كل الأعمال. وسؤال الله الإخلاص، وأهمية التعلم والتفقه في الحج قبل الذهاب وقد تيسرت الطرق لذلك من خلال الكتيب والشريط والمواقع الرسمية المخدومة من الجهات الرسمية، واستشعار العبادة وتقديمها في غاية الخشوع لله، وتعظيم شعائرِ اللهِ وحُرماتِه، والحرص على استغلال الأوقات وجعلها في عبادةٍ وذكرٍ ودعاءٍ وتعليمٍ ونفعٍ للناسِ، وليحرص من أراد الحج على سؤال أهل العلم في كل ما يشكل عليه في أمر مناسكه، ليكون حجه موافقًا لهديه صلى الله عليه وسلم القائل: ((لتأخذوا عني مناسككم)) رواه مسلم، وتذكير الحاج بأنه منذ أن يُلبِّي وحتى يقضي حجَّه وينتهي فإنّ كلَّ أعمال حجِّه ومناسكه تعرِّفه بالله، تذكّره بحقوقِه وخصائص ألوهيَّته جلّ في علاه، وأنّه لا يستحقّ العبادةَ سواه. فيزداد افتقاراً إليه.
وفي ذات السياق قال الشيخ محمد الهاجري: إن على الخطيب أن يذكر الحجيج بعد عودتهم: بأمور منها:
- أنهم امتنَعوا عن محظوراتِ الإحرام في أثناء حج بيت الله الحرام و المضحون امتنعوا عن الممنوعات، فيجب ترك المحظوراتِ على الدوام وطول الأعوام: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، واحتساب الأجر عند الله وعدم بث الشكاوي للناس مما واجهه في الحج، وتسهيل الشعيرة في أعين الناس والأصحاب وحث المتكاسلين على أدائها وعدم تأجيلها، ويبث رسالة لمن اكتفى بحجة واحدة وبخل على نفسه بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول: إن عبدًا صححتُ له بدنه وأوسعتُ عليه في الرزق، لم يفدْ إليّ في كل خمسة أعوام لمحروم».صححه الألباني فلا أقلّ من أن يحجّ المسلم بين الحين والحين، خاصة مع جهود الدولة المباركة في تهيئة الحج وتيسيره للمسلمين وتخفيف المشقة عليهم وما المشاريع الضخمة والعناية الفائقة بالحرمين الشريفين إلا دليل ذلك.
مصدر قوة المسلمين
ويقول الشيخ محمد بن سالم المقهوي إمام وخطيب جامع المقهوي بالأحساء: إن الأئمة والخطباء وكل من يرتقي المنبر لتوعية المسلمين له دور كبير ومسؤولية عظيمة لتوجيه الناس ليعبدوا الله على بصيرة وأن يكون قريباً من المجتمع من حوله فيتحرى أوقات المناسبات كشهر رمضان أو موسم الحج إلى بيت الله الحرام، فيستخدم هذا المنبر لتبصير الناس بالأحكام الشرعية وما ورد فيها من الكتاب والسنة، أما بالنسبة لموسم الحج شرفه الله وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ولاشك أن هذا الركن له أحكامه وواجباته وسننه يجب على كل حاج يقصد البيت الحرام أن يتعرف عليها لكيلا يقع في المحظور، فهنا يأتي دور منبر الجمعة ودور الخطيب البارع الذي يغتنم هذا المنبر لتعريف الناس بالركن الخامس من أركان الإسلام ألا وهو الحج فيخصص أكثر من خطبة قبل شهر ذي الحجة يحث فيها الناس على المبادرة بأداء مناسك الحج وألاّ يتراخى فيها وخاصة إذا كان مستطيعاً وما هي الأحكام المترتبة على ذلك، بل على الخطيب أن يبين للناس أن يكونوا عوناً لدولتهم المباركة التي تبذل الكثير والكثير في مثل هذه المناسبة، فيبادرون بتطبيق التوجيهات التي تصدر من الدولة والحفاظ على أمن واستقرار هذا البلد المبارك، وكذلك توضيح الأخطاء التي قد تقع من الحاج حتى يسلم من الوقوع في محظورات الحج.
الموضوعات المهمة
ويقول الشيخ حمد بن محمد المهيزعي إمام وخطيب جامع النور بوسط الرياض مدير الدعوة والتعليم بمكتب الدعوة بغرب الديرة: أصبح الناس في الفترة الأخيرة يعون جيداً ما لمنبر الجمعة من مكانة في تبصيرهم بما يغيب عنهم من توجيهات شرعية، أو تذكيرهم بما غفلوا عنه ونسوه، أو تحديد الموقف الشرعي لكثير من النوازل التي يحتاج فيها المسلم للموقف الشرعي السليم، وللأسف الشديد أن أكثر من يسافر للحج يعتمد في تزويده بالأحكام الشرعية للحج على مرافقيه في الحج، وربما لم يتوفر في رفقته من هو أهل للتبصرة والبيان الصحيح للأحكام الشرعية فيقع بسبب ذلك الكثير من الخطأ نشاهده في موسم الحج في أسئلة الناس التي تكون في أكثر الأحيان بدهية ولا تحتاج من صاحبها سوى دورة يحضرها أو كتاب منهجي يقرؤه أو خطبة جمعة يستقي منها معلوماته الصحيحة ويتحاشى فيها ما يقع فيه أكثر الحجاج من الأخطاء.
ويضيف: أعتقد أن على الخطيب أن يبدأ في الخطبة عن الحج من بداية أشهر الحج (وأشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة) لأن بعض الخطباء يتكلم عن الحج بعد أن ترتحل قوافل الحجيج إلى مكة فلا تحصل بسبب ذلك التأخير الفائدة المرجوة من الخطبة، وينبغي على الخطيب أن يتناول في خطبه عن الحج المواضيع التالية: فضل مكة والمشاعر المقدسة ومكانتها عند الله - سبحانه وتعالى - والحكمة من قصد تلك الأماكن المقدسة، وقصة بناء الكعبة ابتداءً من هجرة إبراهيم إليها بزوجه وطفله إلى قصة ذبح إسماعيل - عليه السلام - واقتداء هذه الأمة بفعل الخليلين إبراهيم ومحمد - عليهما صلوات الله وسلامه -، والمقاصد الشرعية من الحج وأن الله شرعه لتعظيمه - سبحانه - ويدل على هذا آيات الحج في سورة البقرة والحج التي فيها استفاضة لذكر الله - تعالى - وتكبيره وتعظيمه، وبيان حجة النبي صلى الله عليه وسلم وحديث جابر في صفتها، ووقفات تربوية حول وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في خطبتي عرفة ويوم النحر التي عليها ختم النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الحج، وبيان الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجيج.
تذكير وتعليم
أما الأستاذ الدكتور عبدالرحيم بن محمد المغذوي الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فقال: إن الحجاج ذكورا وإناثا يحتاجون إلى التوعية الإسلامية الشاملة المتكاملة حيث يقع العبء في ذلك ابتداءً على الأئمة والخطباء الذين يعتلون المنابر ويؤمون الناس ويقودونهم للخير ويدلونهم على الرشد وذلك من خلال مجموعة من المحاور منها: القيام بتعريف الناس بشعيرة الحج وكونها فريضة إسلامية افترضها الله - تعالى - على الناس المستطيعين رجالاً ونساء، وبيان أهمية الحج للمسلمين وما يجده الحاج في موسم الحج من المنافع الدينية والدنيوية امتثالاً لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، وإيضاح كيفية أداء مناسك الحج وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (خذوا عني مناسككم)، وبيان أنواع مناسك الحج الثلاث: التمتع والقران والإفراد، وبيان أركان الحج وواجباته وسننه ومستحباته ليكون الحاج على بينة من نسكه، وإيضاح محظورات الحج وما ينبغي للحاج اجتنابه في أثناء تلبسه بالنسك؛ لكونه يؤدي عبادة ينبغي فيها الالتزام بشريعة الإسلام، وبيان الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج سواء قبل قدومهم للديار المقدسة أو في أثناء أدائهم لنسك الحج أو بعد رجوعهم من المناسك، وتقريب مناسك الحج وشرحها لذوي الاحتياجات الخاصة من الأخوة المعاقين الذين لديهم ظروفهم الخاصة مع اتباع الوسائل والأساليب المناسبة لهم، والعناية بالمسلمين الجدد الذين أسلموا حديثاً ويقومون بأداء فريضة الحج عن طريق المكاتب التعاونية أو عن طريق المنظمات والجهات الإسلامية.
وطالب الأئمة والخطباء بأن يعتنوا بما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في حياتهم بصفة عامة وفي أداء فريضة الحج بصفة خاصة من الالتزام بالنهج الإسلامي الحنيف والخلق الكريم والتمسك بالصراط المستقيم والانضواء تحت كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسير على خطى السلف الصالح مع أهمية القيام بتحقيق الأمن الشامل وطاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم وترك الدعاوى الزائفة والشعارات الكاذبة والأفكار المنحرفة والآراء الشاذة مع عناية الأئمة والخطباء بتقرير شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدائها في أثناء موسم الحج بكل لطف وإحسان إلى الناس وترك المخاشنة في اللفظ والقول والعمل، ونظراً لكل ذلك فإن للأئمة والخطباء وظائف عظيمة وأدواراً مهمة في التوعية الإسلامية في الحج وبيان الأحكام الشرعية للحاج ودلالته على الخير والرشد وما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته.
مقام وعظ وتذكير
أما الشيخ حمود محسن الدعجاني إمام مسجد الصرامي بحي الشهداء بالرياض عضو الجمعية الفقهية السعودية فيؤكد أن خطبة الجمعة شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام تتكرر على المسلم في كل أسبوع مرة، وغايتها التذكير والوعظ وبيان نصوص الكتاب والسنة للناس والتصدّي للمخالفات والأخطاء التي تقع منهم وبيان حكمها الشرعي وبيان الحلال والحرام، وتوضيح العبادات والأحكام الشرعية ومن العبادات التي ينبغي للخطيب أن يحرص على بيانها للناس عبادة الحج وبيان فضله والحث على التعجل إليه وبيان أحكامه وآدابه كما ورد ذلك في الكتاب والسنة ولا ريب في أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد وممَّا يُعَاب على بعض الخطباء خوضهم في أثناء الخطبة في تفصيلات فقهية وتفريعات وخلافات بين أصحاب المذاهب ممَّا يوقع المستمعين في اللَبْس والغموض وهذا ينبغي للخطيب أن يبتعد عنه ويكتفي بالمجمع عليه والواضح الذي لا إشكال فيه وما عليه الفتوى يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: «وكان مدار خطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام».
ويقول: إن الخطبة مقام وعظ وتذكير وتعليم ومما يساعد في التعليم والفهم التكرار وقلة الكلام وقصر الخطبة قد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لِيُفْهِمَ، وكان جابر بن سمرة - رضي الله عنه - يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً» أخرجه مسلم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه، فهذا من الفقه في الدين ومن الحكمة قال تعالى: (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).