يتأبّط ملفاً أخضر..
من باب لآخر..
يدخل بوجه يرتهج أملاً.. ما يلبث أن يخرج وقد اعتلاه من الهم, واليأس ما اعتراه..
تتكرّر مساراته.. تتعدَّد طرقه.. مرة تلو أخرى.. يوماً بعد آخر..
وعند انقضاء اليوم الوظيفي.. يعود أدراجه لبيته..
يلهث متعباً..
يزدرد قطرات ماء..
يلقي بجسده على أقرب بساط, ويغط من التعب..
في اليوم الثاني، والثالث وما بعدهما.. يعاود.. وملفّه الأخضر في يده.
تارةً في اليمين وتارةً في اليسار..
وكلّما أعياه المشي.. وأعيته الأبواب.. وأفحمته الخطوات..
يضعه فوق رأسه..
كلّ القاطنين أنحاء دنيا مساراته، ومحاولاته، وعبوره، وزفراته،وأمله، وخيباته، عرفوه...
كلّما هبّ عليهم ما يصعد من صدره من الآهات، أو يصدر عنه من الزفرات...
أف...
« لم آخذ من لون ملفي تفاؤلاً.. لم يكسني بحلة معناه «..
كلًما طال به الأمل.. يسكنه القنوط..
طرقه وعرة.. والجميع يتفرّجون.. لا يفعلون..
الأدراج تعجُّ بنسخ سوداء مزخرفة بالتواقيع لمحتوى ملفه..
الطاولات تتناثر فوقها أوراق مراجعاته..
الآذان تصطك على صدى محاولاته..
والأحبار تهدر.. في الشروحات.. والتعقيدات..
ولا ما يعيد لسحنته طرفاً من صفة حروف اسم ملفه..
سواد في سواد..
يجلس على قارعة الطريق..
من بقايا حريق..
التقط قطعة فحم.. مرّرها على ملفه..
هه..
الملف الأسود... لا الأخضر..!
قرّر أن يعاود الرّكض به مجدداً..
والطّرق على الأبواب..
والحديث مع مزاليجها، وأقفالها..
والانتظار في الممرات..
قال:
ربما يحدث أمرا..
ثمة من قال له:
« خُبرك عتيق»...
فغر فاه..؟
قال له:
أرسل بالبريد الإلكتروني، الناس لا تتعامل إلاّ به الآن..
زفر وهو يتأوّه:
لكن سأتوه في لجج الفضاء بصمته..
لن أتعرف الأبواب التي يدخلها..
ولا الوجوه التي تصافحه..
ولا الأيدي التي تفضه..
ولا الطرقات التي يترحّل فيها..،
الملف الأصفر الإلكتروني ؟
متاه آخر...
أشد غموضاً
وأدهى مكيدة..
سأضيع تماماً..
وعلى الطريق..
بجوار بقايا المحرقة..
احتضن ملفه الأسود..
وغطّ في نوم عميق..