انتهت معركة تحرير ليبيا من حكم الطاغية معمر القذافي الذي جثم على صدور الليبيين أكثر من 42 عاماً، فبعد قتل الطاغية انتهت معركة التحرير ولو جزئياً، باعتبار أن بعضاً من فلول مناصري القذافي كتائب وقادة لا يزالوا طليقين، وهؤلاء قد يثيرون بعض المتاعب، إلا أن المعركة الأشد أهمية والأكثر تأثيراً على مستقبل ليبيا، هي معركة إعادة البناء السياسي والأمني، وإنشاء المؤسسات والتوافق على إقامة أسس دولة حديثة، تتداول السلطة فيها بين العناصر والجماعات التي قامت بالثورة، وأن تكون البداية شراكة متكافئة لا تسمح باستنساخ تجربة القذافي المريرة.
المجلس الوطني الانتقالي أنجز نصف المهمة، وبقي النصف الآخر، وهو الأهم، بناء الدولة الحديثة، وبناء المؤسسات التي تقام عليها الدولة. والشعب الليبي وإن انشغل قليلاً بأفراح التخلص من الطاغية القذافي وأبنائه وأذرع السلطة القمعية، إلا أن هذه الأفراح مآلها أن تنتهي وتتوقف، وعندها ينتهي عذر التحرير ويلتفت الشعب إلى الثوار لتحقيق ما وعدوا به.. توفير حاجيات الشعب من تعليم وصحة وتنمية، وتوفير الخدمات الاجتماعية، وقبل ذلك الأمن وإنشاء جيش وطني تنصهر في بوتقته كل التنظيمات المسلحة والتوجهات الأيدلوجية ليبقى الولاء للوطن.. للوطن وحده.
هذه المهمة يراها المتابعون للشأن الليبي مهمة صعبة، خصوصاً في ظل ظهور بوادر الصراع على السلطة بين الفئات الجهوية التي ظهرت إشارات عنها في طرابلس وزنتان ومصراتة وبني غازي، مع عدم إسقاط تأثير سرت حتى وإن صُنِّفت كمدينة مهزومة يسكنها أبناء قبيلة «القذاذفة» التي ينتمي إليها الطاغية القذافي وأركان حكمه، ولكن مع هذا تشكل ثقلاً قبلياً لا يمكن الاستهانة به.
كل هذه التحديات، والتوقعات الهائلة من شعب ظل طوال أربعة عقود محروماً من خيرات بلده، وتنوع وكثرة الجماعات المسلحة والسلاح في ليبيا يجعل من مهمة ثوار ليبيا مهمة صعبة... وصعبة جداً. إلا أن من أنجز مهمة التحرير ليس بعاجز أن يتحرر هو نفسه من إغراءات السلطة والانتقام والتخلص من حصر المكاسب عند جماعته وحزبه، حتى يعم الخير على كل الليبيين الذين ساهموا جميعاً بتحقيق إنجاز لم يكن أحد يتصور تحقيقه.