بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ونفوس آلمها عظم المُصاب برحيل سلطان الخير، أكتبُ بمداد من الحزن، وأسطر بأحرف من وجدان، وفاءً لنفس رحلتْ إلى بارئها بعد طول عناء مع المرض وآلامه.. نفسُ زكتْ بالخير وطيّب الذكر، نفسٌ جادتْ بالعطاء للقريب والبعيد لم ترد محتاجاً قط، ولم تخذل مستغيثاً أو تنهر سائلاً، نفسٌ تسامتْ على الأسقام وأعباء الحياة، فظلت باسمة حتى في أحلك الظروف، يالك من سلطان ملكتَ القلوب، وأسرتَ الأفئدة.
كم من مواضع العجب التي رأيتها في مسيرة عملي تحت إمرتك وقيادتك الحكيمة، كنتَ بحق مدرسةً في كل مجال بناء، ودوحة من الظل والجود والعطاء، يا لنفسك من نفس تواقة للخير والمجد والبذل والعطاء والطموح، نفسٌ أجهدت جسدك لإدراك المُنى، نفسٌ جادتْ على كل سائل، وحنتْ على كل أرملة، وقدرتْ كل ذي شيبة ضعيف.. لم يطرق بابك ملهوفٌ فعاد خائباً، بابُ جود لم يُغلق أبداً، وينبوع عطاء لم ينضب أو يشح، ارتقت نفسك الزكية لنيل المُنى فكان لها ولك بفضل الله ما تتمنى، كتبتَ اسمك في ديوان العظماء بمداد من نور، وتبوأت في مواضع العز أفضلها وأجلّها، لك بصمة عطاء في مختلف الثنايا والدروب، وغرستَ محبتك في المهج والقلوب، تاقتْ نفسك لرضى الخالق، وتقرّبت بخدمة الضعفاء لنيل رضى الرازق، وها أنت اليوم تترجل عن ركب العطاء، وترحل إلى رب كريم، جواد رحيم، أوجب رحمته وجنته لمن أثنى عليه الخلق، هنيئاً لك سيدي بأفواه مُلئت ثناء وترحماً عليك، وأكفاً رُفعت في جنح الليل داعية لك بالمغفرة، جُدتَ لهم سيدي سنين عمرك فجادوا بدعاء شق جنح الليل إلى الملكوت الأعلى سائلة لك حسن المنزلة والمغفرة.
كم في هذه الدنيا من مواضع تعجّب يغفل عنها المرء، حتى ينهشه شيء من أقدارها المؤلمة، وكم من راحل يُنسى ذكره وتُطوى صفحته بمجرد رحيله ودفنه، وكم من راحل بجسده باق بذكره العطر الذي يتردد مع كل ومضة نور، تبقى سيرته الطيبة ندية متجددة وكأنه لم يفارق الحياة، وما أُخالك يا سيدي إلا واحداً من أولئك، بل ربما حُزتَ قصب السبق بينهم، فذكرك خالد، ومآثرك خير شاهد على أنك كنت لملوك هذه الدولة المباركة الذين توالوا على حكمها خير معين، مستمداً تلك العزيمة من والدكم المؤسس -طيب الله ثراه- فكنت خير من يدعم المشاريع التطويرية، وتبنّي تأسيس المدن العسكرية، والارتقاء بالقوات المسلحة لأعلى المراتب، وغيرها من مشاريع ساهمت في تنمية هذه الدولة المباركة.. سيدي لئن رحلتَ عن دنيانا إلا أن شواهد عطائك تقابلنا أينما اتجهنا، وصدى توجيهاتك تستنهض هِممنا لمواصلة بناء وطن شهد ثراه وافر جودك، وأينعت رُباه بزاهر إنجازاتك.
ختاماً.. كم لعجائب الأقدار من مواضع تأمّل، وكم لاستحضار الماضي من فارق بين رحلاتك السابقة للعلاج، كان الشوق حينها يعتري أبناءك ووطنك لهفة للقائك، لكنه اليوم يبدو واجماً حزيناً على رحيل سلطان الجود، حزين على فارس ترجّل عن جواده وأسلم الروح لبارئها.. سيدي.. لكأني بوطن الخير يقول على لسان قاطنيه.. إيه سلطان الخير والحبّ، فلئن رحلت عن دنيانا، إلا أن عزاءنا أنك في وفادة ربٍّ كريم رحيم، رحلتَ.. لكن ذكرك العاطر، ومحبتك ستظل في قلوبنا ما حيينا أبداً.