دخل العام 2011 كتاب التاريخ من أوسع فصوله. وضع حدا لأخطاء قاربت نصف قرن، وفتحت شبابيك الأمل، لأولئك الذين كانوا يظنون، أن التاريخ حكم عليهم بالتعاسة، وأنهى حكمه، غير قابل للاستئناف.
أثبتت الأحداث الأخيرة، أن إرادة الشعوب، غالبا ما تجبر التاريخ على أن يراجع نفسه، ولا نعرف حتى الآن، ما إذا كانت الإرادة كافية لنجاح الفكرة، أم أن الرحلة طويلة جدا، ولا بد من انتظار معقول، حتى ينقشع الغبار، عن الربيع!
كان القذافي مجنونا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. هذا مثبت في أحاديث الدبلوماسيين الغربيين، وتقاريرهم عنه. محاضر جلساتهم معه موجودة، ومنشورة، فضلا عن ما جادت به، قريحة أفراد نظامه السابق، وكلها معلومات، ومعطيات، تشير إلى صحة ما ذهبنا إليه. خدع العقيد، البعيد، الذي لا يفيد، نفسه طوال فترة الثورة، رغم القذائف، وتهديدات القوى الكبرى، وظن بأنه باق إلى الأبد.
وأتذكر أن متحدثة باسم الخارجية الأميركية قالت لي، في حديث منشور، أن المهمة الدولية ستستمر، وستستمر حتى زوال القذافي.
كان الكل عازماً على التغيير، لكنه، القذافي، لم يكن يسمع، أو يقرأ.
وكان بن علي يحكم دولة بوليسية بامتياز، لدرجة أنه لا يمكنك أن تبتاع الصحف دون أن تثير انتباه المخبرين، كما حدث للإعلامي المعروف عثمان العمير في زيارة تونسية سابقة، حين لاحظ مراقبه، أن هذا الغريب، قرأ أكثر من عشر صحف في ساعة. في تونس بن علي لا يمكنك أن تذهب للمسجد دون أن تكون مراقباً، وحين تكون مراقباً فإن أقرب خطأ قد يفتح ملفات مزعجة، لن تنتهي إلا بعد سنوات. ومع ذلك كان ابن علي أضعف من أن يحكم، وقادته هشاشته إلى أن يسلم حكم البلاد، ورقاب العباد، إلى زوجته، وأقاربها، وكانت النتيجة أن طار الرئيس، بتدبير سيدة البلاد، قبل أن تطير رقبته.
كان الكل عازماً على التغيير، لكنه، بن علي، لم يكن يسمع، أو يقرأ.
وفي مصر، ظن المحارب السابق، أنه بطل خدم بلاده، في الحرب قبل السلم، بالبندقية قبل القلم، ولن يهرب من المواجهة مع الشارع مهما حدث. كان محارباً فقد البوصلة، ولم يعرف أن الشارع ينتصر، ولو بعد حين. كان مبارك، رجلاً عظيماً، ذات يوم، ولكنه كان مثل معظم السياسيين في عالمنا العربي، الذين لا يعرفون متى ينزلون من خشبة المسرح، في الوقت المناسب، حفاظا على صورتهم، وتاريخهم. وكانت النتيجة أن بدأ الأولاد، وأصدقاء الأولاد، يعبثون في حياة شعب، عمره من عمر الحضارة الإنسانية؛ وهكذا ذهب الرئيس، وأولاد الرئيس، ورفاقهم، بعد أن ظنوا أن المستقبل أسهل، وأقرب.
كان الكل عازماً على التغيير، لكنه، مبارك، لم يكن يسمع، أو يقرأ.
أما أسد سوريا، وثعلب صنعاء، فلا يزالان يقامران بورقة الحظ. نسوا أن الوضع تغير، وأن حاجزا نفسيا عمره نصف قرن، قد كسر، ولن يعود كما كان.
لقد كسر الإنسان العربي حاجز الخوف، ولا حل إلا بالعدالة، والحوار، كما فعل قبلهم بعقود، ذلك المحارب العظيم عبد العزيز بن سعود، حين قال لمستشاريه، وهم حينها نخبة النخبة في العرب، «قولوا لي الحقيقة فلقد ضقت ذرعاً بكلمة الشيوخ أبخص».