فجر السبت الماضي لم يكن عادياً، بعد صلاة الفجر جاءني اتصالها تنعي معزية في رحيل هذا الرجل الكبير، قلت لها: لا لا إنها إشاعة حاولت أن أغير مجرى الحديث لأنني لا أريد منها أن تؤكد معلومتها وهي بجوار الحدث هناك في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ذلك وجدت من يكتب ويقول بذلك قلت في نفسي تكذبون، ولكني تسمرت أمام الشاشة ليكون الخبر اليقين.. نعي خادم الحرمين الشريفين أخاه، ثبت الأمر وثبت الأجر {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، نقولها ابتغاء الأجر من الله وطلباً الرحمة للفقيد الكبير، ذرفت الدموع وآثرت البقاء ناسياً أو متناسياً بعض الارتباطات هنا وهناك.
وهل تربطني بالراحل الكبير رابطة؟.. أي والله إنها أعظم رابطة، رابطة حبّ الخير ومن يفعل الخير وهو كان أميراً للخير.
لم أتحدث إليه إلا مرة في حياتي وكان نعم المنصت ونعم الأب الحاني المقدر لكل من يعمل ويفكر ويسعى.
ارتبطت بسيرته ومسيرته طوال سنوات أربع خلت غصت في هذه السيرة العظيمة.. سيرة البذل والعطاء.. سيرة الحب والوفاء.. سيرة الرحمة والرأفة بالإنسان صغيراً كان أو كبيراً.. سيرة أعطر ما تكون، حبه ورأفته وعطاؤه وإشراقة محياه.
سنوات أربع رافقت (سلطان بن عبدالعزيز.. كلمات في التنمية) فكان بحراً لا ساحل له، وكان نهراً عذباً أحسن ما تكون عذوبة العطاء.
على خشبة المسرح العالمي كان حضوره لافتاً وعلى خشبة المسرح العربي كان حاضراً وعلى خشبة المسرح الوطني كان فاعلاً ونهراً متدفقاً.
سلطان بن عبدالعزيز أمير للجود كما هو أمير للحكمة وبعد النظر، ويكفي شاهداً على ذلك حرصه على العلماء وتفانيه في خدمتهم، ينصت لهم ويسمع منهم ويتقبل نصحهم.
سلطان بن عبدالعزيز أمير محب للفقراء ليس في وطنه فحسب، بل في كل أصقاع الدنيا، وهذا الأمر لا يعلمه إلا خاصته ومن سبر سيرته، يحرك الطائرات العملاقة لأدغال إفريقيا من أجل نجدة هؤلاء المعدمين دون ضجيج إعلامي.
سلطان بن عبدالعزيز راعي أعظم وأهم جائزة ألا وهي جائزة سموه لحفظ القرآن للعسكريين، هذه الجائزة التي تختلف عن كل جوائز حفظ القرآن لكونها مخصصة لحماة الأوطان الإسلامية (رجال القوات المسلحة) وما أعظمها من جائزة.
سلطان بن عبدالعزيز القريب من الأيتام والثكالى والمعوزين.
سلطان بن عبدالعزيز يذكرني بأجواد العرب الذين أحب مالهم إليهم الذي ينفقونه {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
سلطان بن عبدالعزيز عضد الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز ونعم العضد، فقد كان وكما يعرف ذلك من عمل معه لا يمضي في أمر إلا بالرجوع إلى خادم الحرمين حتى ولو كان الأمر متعلقاً به شخصياً، فقد اعتبره في مقام الوالد.
سلطان بن عبدالعزيز الرجل المقدام في فعل الخير؛ قلت يوماً لأخي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز وأنا أطلب من سموه التفضل بالطلب من ولي العهد علاجاً لمريض أعذرني فقد أثقلت في الطلب، وقد كنت قبل أيام طلبت لشخص آخر وتم ما طلبت، فقال سمو الأمير فيصل إن ما تطلبه هدية تقدمها لسموه فهو يسر كثيراً عندما نطلب منه مثل ذلك لعلمه أن هذا الفعل هو الباقي، فسبحان من وهبه حسن التقدير.
سلطان بن عبدالعزيز منذ نشأته عرف عنه الصلاح والتقى وحب الأتقياء، يعتبر العلماء وطلاب العلم خطأ أحمر لا يجوز التطاول عليهم أو إهانتهم مما كان الأمر.
سلطان بن عبدالعزيز فقد كبير ليس لنا في هذا الوطن فحسب، ولكن في كل أصقاع الأرض، فكم من يتيم وكم من أرملة وكم من مكلوم سيبكيك يا سيد الجود يا سيد الإحسان يا سيد النخوة والمروءة.
خادم الحرمين الشريفين والدنا عبدالله بن عبدالعزيز قرأنا في وجهك الحزن الكبير وقرأنا في وجهك الألم على فقد الحبيب وقرأنا في وجهك التأمل في هذه الحياة وفواجعها، ونقول لك كلنا سلطان وكلنا فداء لقدميك الطاهرتين المتعفرة طاعة وعبادة لله الحي الذي لا يموت، قبلة عزاء على جبينك الأغر، وقبلة دعاء لك بطول العمر في صحة وعافية محاط بإخوة نجباء أوفياء كما كان سلطان.
والدنا عبدالله بن عبدالعزيز لا تحزن فإن الرجاء في فاطر السماء بأن يتقبل عبده سلطان القبول الحسن ويمد له في قبره ويفتح له باباً إلى جنات النعيم، فهو كان محباً لله ورسوله ونشهد على ذلك، وملتقانا جميعاً -بإذن الله- في الفردوس الأعلى.
والحمد لله على ما قضى..
وأحسن الله لنا جيمعاً العزاء..
والله المستعان،،،
almajd858@hotmail.com