هناك لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز صور لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة، ولا يستطيع المؤرخ أن يغير فيها أو يشوهها أو حتى ينساها أو يتناساها لأي سبب من الأسباب، وتحت أي ظرف من الظروف، آخرها صورته حفظه الله وشفاها وهو يقف أمام جنازة أخيه وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة مساء يوم الاثنين الماضي في مطار القاعدة الجوية بالرياض.. لقد أبكى هذا الرجل العظيم الكثير وأثار أشجان الحزن ولواعج الفراق في قلوب المحبين الذين سمّروا عيونهم أمام شاشة التلفاز ينظرون المشهد بكل تفاصيله ويقرؤون الحدث بجميع أبعاده. لم يمنع عبد الله بن عبد العزيز..كبر سنه.. ولا المرض الذي ألم به.. ولا كونه خارجا من عمليته جراحية دقيقة للتو.. ولا مشيه على ست، القدمين والعصا ذي الأربعة أرجل الذي يدفعه رعاه الله بكلتا يديه التي أسأل الله عز وجل أن يحرمها على النار.. ولا كثرة الناس والزحام ، ومن قبل ذلك كله لم يمنعه الحزن الذي تسرب له من أخمص قدميه حتى مفرق رأسه لفراقه أخيه وصديقه وعضده الأيمن، لم يمنعه كل هذا وغيره كثير من أن يكون حفظه الله في مقدمة الحاضرين لاستقبال جثمان الفقيد الغالي سلطان بن عبد العزيز. إن مثل هذه المواقف العظيمة تعطينا درساً أخلاقياً راقياً وتلفت أنظارنا إلى قيمة عليا في الأخوة والمحبة والوفاء. لقد كنت هذه الصورة المحزنة المبكية المليئة بالتعابير الجامعة لكل قصائد الرثاء وعناوين العزاء، وقل مثل ذلك عن صورة سلمان بن عبد العزيز وهو في هذه السن وبهذه المنزلة يسابق المحبين ليشارك في حمل جنازة أخيه الذي لازمه طوال فترة مرضه وأيام محنته الأخيرة، وصورة المعزين في المسجد والمقبرة والديوان الملكي والقصور الملكية في مناطق المملكة المختلفة.. لقد كانت هذه الصور التي شاهدناها بالأمس القريب تبرهن على الجسدية الواحدة والتمسك الصحيح في السنة النبوية المطهرة حين تشيع الجنازة وعند الدفن ومن بعد العزاء وتدلل على ما يتمتع به قادتنا من رحمة وصدق وإخلاص ووفاء وألفة ومحبة عميقة لشخص سلطان بن عبد العزيز وارتباط بالعلي الأكبر واستشعار لعظمة هذا الموقف الرهيب.. رحمك الله يا أبا خالد «طبت حياً وميتاً» ورزق الله أبا متعب، وإخوانه والأسرة الكريمة والشعب السعودي الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.. وإلى لقاء والسلام.