عندما شاهدت بحزن بالغ كغيري من المتابعين لمشهد فقيد الوطن الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد، ومهندس الإنجاز الخيري السعودي على كافة الأصعدة محليا ودوليا من خلال أعماله - رحمه الله - الخيرية التي هي خارطة طريق نحو تميزه وتفرده بصناعة (العمل الخيري) والذي وصل أثره إلى من في الداخل والخارج حتى ارتبط اسمه رحمه الله بـ»الخير» وحاز بجدارة على اللقب الكبير (سلطان الخير)، عندما شاهدت ذلك كله الأيام الماضية بدءا من صور الاستقبال الكبير في مطار قاعدة الرياض الجوية ومرورا بمراسم الدفن لجثمانه رحمه الله، وانتهاء بما شهد به الديوان الملكي من استقبالات رسمية وشعبية، أقول عندما شاهدت ذلك كله انهالت على ذاكرتي المشحونة بمواقف سلطان الخير صور كثيرة لترسم خارطة طريق نحو الأمير الإنسان، الذي اقترن اسمه بفعل «الخير» وارتبطت صورته بـ»الابتسامة» الفاعلة في ذاكرة الوطن، ومازلت أتذكر آخر خبر قرأه المواطنون عن سموه - رحمه الله - لما غاب عن الوطن والمواطنين في رحلته العلاجية قبل الأخيرة عندما دشن - رحمه الله - من مقر إقامته في (أغادير) خدمة التبرع لجمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري عبر رسائل الجوال بتفضله - رعاه الله - بتقديم أول تبرع في هذه الخدمة لصالح الجمعية بإرسال رسالة للرقم المخصص، كعادته بمبلغ مليون ريال دعما منه لأعمال الجمعية التي تسهم في خدمة المجتمع السعودي، ولاشك أن تلك المبادرة كانت إشارة واضحة إلى خارطة الخير في عالم سلطان الخير وحرص سموه - رحمه الله - على تكريس ثقافة العمل التطوعي في المجتمع السعودي من خلال الدعم المباشر لمؤسسات العمل الخيري في بلادنا الذي هو رائدها وعرابها، عندما مارس كعادته بكل محبة وأمام أنظار متابعيه ومحبيه في وطن الخير عملا جديدا يضاف إلى سجله الكبير في مجال دعم المؤسسات الأهلية الخيرية بإطلاق أول رسالة والتبرع للجمعية تشجيعا منه وتحفيزا للآخرين للمشاركة في دعم جهود الجمعية لمواصلة خدماتها للمجتمع في مجال الإسكان التنموي، إنه بذلك يجعل من نفسه المحبة وذاته المشرقة بالإحسان الشامل رمزا وطنيا لدعم العمل التطوعي السعودي رغم ظرفه الصحي، ليبرهن أنه مع الخير وللخير وإلى الخير في حال الصحة والمرض.
إن الأمير سلطان ـ رحمه الله كان مؤسسة للخير قائمة بذاتها، فهو - بلا شك - الأمير «الإنسان»، وأبو المحتاجين والضعفاء والمعسرين، الذي يعجز اللسان عن وصف رحلته التاريخية مع أعمال الخير من خلال مؤسسة سلطان الخيرية والتي فازت بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2003م ليرتبط اسم سموه الكريم بمكرمات وإسهامات تنموية في داخل المملكة وخارجها، وهنا أسجل تقديري الخاص ل «برنامج الأمير سلطان للطوارئ والخدمات الإسعافية»، والذي أطلقته إمارة منطقة الرياض تقديرا لجهود وعطاء سلطان الإنسانية، والذي يؤكد التناغم الحقيقي بين شخصية الأمير سلطان وعشقه للنفع العام، لذا سيكون - بحول الله - هذا المشروع شاهدا حيا على الاحتفاء الصادق بمنهج العطاء الشامل في شخصية الأمير النبيل، والذي ينتظره الجميع ليبقى شاهدا حيا على سلطان الخير لأولادنا وأحفادنا من بعدنا، وليذكرهم بالرقم الصعب في مشهد العمل التطوعي السعودي.
أخيراً، إن غاب «سلطان الخير» جسدا، فإنه لن يغيب «قدوة» حسنة لكل محبي العمل الخيري في هذا الوطن المعطاء، لنبرهن للعالم أجمع أن «العطاء الخيري» المؤسسي، هو الذي سيبقى بعد رحيل صاحبه، وسيستمر نفعه الدائم وثوابه المستمر، سائلا الله عز وجل أن يرحم سلطان الخير ويتقبله.
sahem20@hotmail.com