|
يطول الحديث وتحشرج الصدور، وتذرف العيون حزناً على فراقك يا سلطان بن عبدالعزيز، فإن كنا سنبكيك يا سلطان القلوب في هذا اليوم الكئيب، فإنه سيبكيك مثلنا ملايين البشر الذين أحببتهم فأحبوك، وبادلتهم المودة فبادلوك، في جميع أقطار الأرض، عرفناك عن قرب وسكنت في قلوبنا، وها نحن الآن نتهيأ لفراقك، ولكنها سنّة الله في خلقه!! لا يدوم إلا وجهه سبحانه!!
فبموتك يا سلطان سيفقدك الوطن وأبناؤه، فلأنت رجل السياسة الواعي، الذي طالما أعطيت من نفسك ولم تبخل على هذا الوطن، وسهرت ليلك مع نهارك، وتكبدت المصاعب في سبيل أن يرتاح أبناء هذا الوطن العزيز، كافحت ونافحت عن وطنك، وعن دينك، وعن مليكك، ولذلك نجدك في كل مؤتمر قد سددك المولى سبحانه بآرائك الصائبة، وبحكمتك الفذة، لك حضورك، ووقارك، وهيبتك!! فكنت محط أنظار ساسة العالم، فولجت إلى قلوبهم دون استئذان!!
إن من يعرفك من بعيد قد أحبك فما بالك بالقريب منك، فلقد اجتهدت في كل شيء، وخدمت هذا البلد الطيب في شتّى المجالات، فلقد أنزل المولى جلَّ وعلا لك القبول في الأرض، فالناس قد أجمعوا على محبتك، وما كان ذلك لولا محبتك لهم!!
اليوم سنودعك ويودعك كل مواطن في هذا البلد العزيز، سنفقدك وسيفقدك كل شبر من هذا الوطن. سنبكيك وستبكيك كل زاوية قد عرفتك وألفتك!!
ستفقدك يا سلطان ردهات وأروقة مجلس الوزراء الذي عرفك كل ركن فيه، وشاهدك من خلاله محبوك، ولسان الحال يقول: أين صاحب المقعد الذي كان يجلس عن يمين خادم الحرمين الشريفين؟ هل غاب؟ هل سافر؟ متى سيعود!!
لقد غادرنا سلطان بن عبدالعزيز إلى عالم أبدي أزلي، إلى جنان الخلد إن شاء الله ليجد ما قدم لهذا العالم ماثلاً أمامه كالجبال الراسيات!!
سيفقدك يا سلطان وطن العز والإباء، كيف لا وقد هوى جبل شامخ وعلم بارز وركن صامد من أركان هذا البلد!! سيفقدك يا سلطان مريض تكلفت بعلاجه، وسيفقدك مشلول يتعالج على حسابك، وسينعاك سجين في دين ولن يجد من يسدد عنه!!
كنا في سيرة سمو الأمير سلطان أنا وبعض الإخوة نثني ونترحم عليه، وإذ بأحد الإخوة يروي موقفاً من آلاف المواقف عن امرأة عجوز في المستشفى العسكري، وهي تدعو في صالة المستشفى لسلطان الخير وتبكي، وتوضح للموجودين بأن الأمير سلطان قد تكفل بعلاجها على نفقته الخاصة خارج المملكة، وجاءت تستكمل العلاج في المستشفى العسكري، وتبكي عليه بكاء مرا!!
فمن بعدك يا سلطان ستبكيك الجمعيات الخيرية داخل وخارج الوطن، التي كانت قائمة ومستمرة بفضل دعمك لها بعد الله، لتقف مع المعوزين وتمدهم بالدعم! ومن بعدك يا سلطان الخير من لكثير من الأعمال الخيرية كالمساجد ونحوها!!
وجميع هذه الأسئلة ستقف كمئات الأسئلة الحائرة التي تحتاج إلى وقفة تأمل!! حقا إن موتك يا سلطان فاجعة وأي فاجعة!!
أما سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض فها هو يطل هذه الأيام بطلعته البهية على بلاده التي افتقدته فترة من الزمن. ولكن ليست كعودته التي تعودنا عليها، ولكن برفقة أخيه سمو الأمير سلطان، رافق أخاه حياً وميتا وحينما أكتب عن سلمان يقف القلم حائراً فيما يكتب وبأي شيء يدون، ومن أين يبدأ وكيف؟ ليكب عن لك الرجل الذي يعد بحق كتلة من الوفاء!! فقد رافق سلمان أخاه سلطان في سفره ولازمه في مرضه، وكان مثالاً يحتذى به، فقد ضرب أروع الأمثلة في المحبة والتقدير، ولم يترك سلطان لحظة من اللحظات، فعينه لم تذق النوم وأخوه بجانبه قد ألمّ به المرض، فما أحلى الوفاء من أهل الوفاء، وما أروع المحبة حينما تكون صادقة ومخلصة، ونحن نحييك يا سلمان على ذلك!!
رحمك الله يا سلطان بن عبدالعزيز، ووفقك يا سلمان بن عبدالعزيز وأطال في عمرك - على ما قدمت، سائلاً المولى سبحانه أن تكون في ميزان حسناتك.
ولا يسعني إلا أن أتقدم لمقام والدنا وقائد مسيرتنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله بصادق العزاء وعظيم المواساة في فقيد الوطن سمو الأمير سلطان، وإلى صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، وإلى صحاب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، والأسرة المالكة الكريمة، والشعب السعودي النبيل، إنا لله وإنا إليه راجعون.
د. ناصر بن عبدالله الخرعان