تمثِّل وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله- صدمة كبيرة وخسارة عظيمة لدى أبناء الشعب السعودي والأمتين العربية والإسلامية وذلك نظراً لما يملكه - رحمه الله- من رصيد محبة لدى الجميع ومكانة عالية.
لقد امتلك -رحمه الله- صفات فريدة وعظيمة في مجال عمله، الجانب العام والجانب الخاص وكذلك تقلّده عدة مناصب في الدولة، إضافة إلى حبه للخير ومساعدة المحتاجين وإنشائه للمراكزوالمدن الصحية، وكذلك المراكز الإسلامية في العالم وإنفاقه بسخاء على جميع مشاريع الخير، وكان ما يميّز سموه - رحمه الله- أنه لا يرد طلب أي إنسان بمساعدة أو علاج من خلال أبوة حانية وعطف كريم.
وهذه الصفات والمزايا التي اكتسبها سموه - رحمه الله- من والده الملك عبد العزبز - طيَّب الله ثراه- الذي تميز في نهجه ومزاولة أساليب ونظم الحكم والسياسة، كما أن سمو الأمير سلطان - رحمه الله- كان حريصاً على ترسيخ وتعميق قيم الدين الحنيف بمعناها الواسع والرحب والعميق في نفوس أبنائه وأبناء شعبه رحمه الله.
ورغم معاناته مع المرض - رحمه الله - وصبره واحتسابه إلا أنه لم ينس الآخرين من عطفه وشفقته، نتذكّر حينما عاد من أمريكا بعد فترة علاج زار أبناءه أفراد القوات المسلحة وقبَّل رؤوسهم وخفَّف من آلامهم، وكانوا يعانون من بعض الإصابات لحظة دفاعهم عن الوطن، إنها قمة الوفاء من رجل الوفاء والإنسانية سلطان بن عبد العزيز رحمه الله.
ومهما عبَّرنا وكتبنا فإن المساحة لا تستطيع أن تتسع لسرد إنجازات وصفات هذا الرجل الإنسان، فالأمر يحتاج إلى مساحات كبيرة للحديث عنها، إذ إن الأمير سلطان لم يكن رجل دولة وسياسة فحسب وإنما كان أحد المفكرين والبارعين في إعداد مستقبل هذا الكيان الكبير، حيث ساهم بأدوار كبيرة وتاريخية في تأسيس وبناء الدولة السعودية وتقلّد عدة مناصب في الدولة وكسب ثقة والده الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه- لتكون بداية شبابه وعطائه توليه مسؤولية إمارة مدينة الرياض بخطى ثابتة وبنصائح وتوجيهات قيمة من والده المغفور له الملك عبد العزيز وعلى مدى أكثر من (70) عاماً مضى رحمه الله في العطاء لهذا الوطن المعطاء بتولي الرئاسة والإشراف على عدد من المسؤوليات، نذكر منها على سبيل المثال رئاسة مجلس إدارة الخطوط السعودية والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمجلس الأعلى لسياسة التعليم ومجلس القوى العاملة واللجنة الوزارة للبيئة ومجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية واللجنة العليا للتوازن الاقتصادي والهيئة العامة للغذاء والدواء ونائب رئيس المجلس الأعلى للإصلاح الإداري والمجلس الاقتصادي الأعلى، هذا بالنسبة للشأن الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فكان له حضور قوي بحكمة ودراية وتعميق العلاقات مع الدول الأخرى التي أسهمت في تعزيز مكانة المملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
وكان للجيش السعودي نصيب كبير من الاهتمام في الإعداد والبناء في مجال التأهيل والتدريب وتزويد الجيش بأحدث المعدات الحربية وبناء المدن العسكرية وإنشاء القوات البرية والجوية والبحرية وقوة الدفاع الجوي، ولم يكن الجانب الإنساني أقل اهتماماً وعنايةً بالعكس لقد أولى الجانب الإنساني جلَّ عنايته، وكل من يتشرّف ويقابل سموه يبادره - رحمه الله- بالسؤال عن صحته وماذا يحتاج وماذا ينقصه ولحظات ويتوافر كل ما يحتاجه هذا المواطن الذي حظي بلقاء سموه رحمه الله.
وتأتي مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية سفينة خيرية أبحرت في كافة مجالات الخير ورسمت البسمة والفرحة على وجوه الجميع لتسهم مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية في العلاج وتحقيق الآلام والمعاناة للمرضى الذين يرفعون أكف الضراعة للفقيد بالمغفرة والرحمة.
رحم الله سلطان الخير وغفر له وأسكنه فسيح جناته وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
عبد الرزاق القشعمي