كانت الساعة الثامنة إلا عشر دقائق من صباح يوم السبت الماضي عندما استوقفني أحد الزملاء، وأنا أهم بدخول المصعد للذهاب إلى مكتبي، ليخبرني بأن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز قد انتقل إلى رحمة ربه. ورغم أن الموت حق فإن فقدان شخصية بهذا الحجم كان يبدو للوهلة الأولى صعبا على التصديق لولا تأكيد زميلي نعي الديوان الملكي.
وأنا هنا في هذه السطور القليلة على يقين بأني لن أتمكن من الكتابة بحق هذه الشخصية الفذة أفضل مما كتب عن سموه ممن هم أقدر مني. كما أني لن أستطيع إعطاء هذا القائد البارز حقه في التسجيل أحسن مما فاض به يراع من حالفهم الحظ وتقاطعت خطوط حياتهم مع سموه. ففي هذه الكلمات القليلة وفقيد بلادنا قد ذهب إلى رحاب ربه وددت الإشارة السريعة فقط إلى اللقاء الذي تم مع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان رحمه الله على هامش زيارته إلى موسكو خلال الفترة 21- 23 نوفمبر من عام 2007، حيث كنت وقتها ضمن الوفد المرافق وبين المجموعة التي تشرفت بالسلام على سموه مساء يوم الخميس 22 نوفمبر. ومن يبحث في ملف مقالتي في الرياض الاقتصادي سوف يرى أن أول مقال لي في هذه الصحيفة المتميزة قد نشر قبل 1430 يوماً تحت عنوان: (آفاق تطور العلاقات الاقتصادية بين المملكة وروسيا على خلفية زيارة ولي العهد إلى موسكو). أي بعد تلك الزيارة المهمة بأربعة أيام.
إن أول الانطباعات التي أحسست بها وأنا أستمع إلى الفقيد في مجلسه العامر بموسكو هو أني أمام قامة كبيرة، وهامة شامخة، وشخصية غير عادية بكل المقاييس. فرؤية الأمير سلطان من خلال وسائل الإعلام شيء والنظر إليه مباشرة وهو يتحدث شيء آخر مختلف تماماً. فهذه الشخصية العملاقة لها تأثير وهيبة قل أن ترى مثلهما.
فطوال الوقت الذي كنت فيه أستمع إلى سموه لم يفارقني شعور قوي ومسيطر بالرهبة الخارقة والطاقة الجبارة التي يتمتع بها المغفور له. وقتها رجعت بي الذاكرة إلى الصورة التي ارتسمت في مخيلتي وأنا صغير عندما كنت أستمع إلى أحاديث جدي ناصر، تغمده الله برحمته، عن عزيمة وشجاعة وبأس المؤسس صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمة الله عليه.
أما الأمر الثاني الذي رجعت به من لقاء الأمير سلطان رحمه الله في موسكو فهو الاطمئنان على أمور كثيرة. فالمغفور له عندما كان يتحدث عن المواضيع التي هي محل اهتمام سموه واهتمام البلد كان يشير إلى أنه قد استمع إلى رأي فلان وفلان وفلان بخصوصها. وهذا شأن أفرحني وأشاع الاطمئنان في نفسي لأن الشخصية الثانية في بلدنا لا تعتمد على مصدر واحد للمعلومات وإنما على عدة مصادر. وهذا أمر في غاية الأهمية. لأن الكثير من المشاكل الإدارية والاقتصادية في العديد من البلدان وحتى لدى المؤسسات والشركات منبعها أحياناً الاعتماد على مصدر واحد للمعلومات. ولذلك فقد عدت من موسكو مرتاحاً قرير البال.
ولا أنسى الإشارة هنا إلى الوداع الذي تم للمغفور له في المطار والذي إن دل فإنما يدل على الحفاوة البالغة التي حظي بها الأمير سلطان في موسكو. وهذا أمر ليس غريبا. فالمملكة تتمتع بمكانة دولية مرموقة من ناحية كما أن شخصية الفقيد كانت من الشخصيات العالمية البارزة. فصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز لم يكن فقط خبيرا بالشأن الداخلي وتوازنات القوى فيه وإنما أيضاً بالشأن الدولي والقوى المؤثرة على الصعيد العالمي.
تغمد الله الفقيد برحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وكافة أفراد الأسرة الحاكمة الكريمة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الصبر والسلوان. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
القصيم - البكيرية