الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد فأسأل الله عز وجل أن يغفر لسلطان الخير وأن يسكنه فسيح جناته وأحسن الله عزاءكم جميعا أيها القراء في هذه المصيبة وأسأل الله عز وجل أن يعوض الأمة من يقوم مقامه ويسد مكانه.

في هذا المقال أتحدث عن وقائع ومشاهدات متعلقة بهذه القامة العظيمة سمو الأمير سلطان.

كان بين سموه وبين الجد الشيخ عبدالعزيز بن محمد أبو حبيب الشثري تواصل عظيم وكانت هناك محبة متبادلة بينهما، كان الجد غفر الله له يقيم في بيته ندوة علمية يحضرها كبار علماء الإسلام في ذلك الوقت مثل الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ومجموعة من العلماء الكبار.

وكان الأمير سلطان في ذلك الوقت أميرا على الرياض وكان يحضر معهم تلك المجالس ويشاركهم فيها بالنقاش، وحصل في ليلة من الليالي أن الأمير لم يحضر، فذهب الجد غفر الله له بعد صلاة الفجر إلى بيت الأمير - يخبرني بذلك العم عبد الرحمن الصالح وهو من أهل الرياض المعروفين - فيقول سمعت الجندي يوقف الشيخ فعرفت الشيخ فأقبلت إليه فإذا به يقول: أين الأمير، قلت صلى الفجر معنا ودخل، قال: أريد أن أدخل عليه، فأدخلته إلى الباب الداخلي فقلت هذا حدي (أي آخر ما أستطيع الوصول إليه)، يقول فدخل الشيخ فأصبح يصيح بأعلى صوته: أبو خالد أبو خالد، ونزل الأمير، فلما نزل عاتبه الشيخ وقال: البارح ما حضرت معنا، فقال الأمير عندنا البارحة بعض القضايا في إمارة الرياض وتعرف الإمارة يكون فيها عدد من القضايا الأمنية وغيرها، يقول عندنا بعض القضايا هي التي جعلتني لا أحضر البارحة. فقال الجد للأمير أسأل الله أن يعينكم وأن يبارك في جهودكم ولكني أهمس في أذنك بكلمتين إذا حضر الأمراء عند العلماء نظر إليهم الناس بنظرة تقدير واحترام ودعوا لهم وأثنوا عليهم، وإذا كان يحضر العلماء عند الأمراء فإن الناس مهما يكن يتشككون في مواقف هؤلاء العلماء.

في وقائع كثيرة كان الجد غفر الله له يتواصل مع الأمير يعزمه ويدعوه إلى بيته, في يوم من الأيام دعا الجد الأمير سلطان إلى البيت فتأخر عليه في الغداء - وكان الأمير دقيقا في مواعيده - ولم يكن هناك هواتف ولا جوالات, فتأخر لما بعد العصر فلما حضر فإذا بالملك فهد معه والأمير سلمان، قال فإذا به يعتذر يقول: أنا ذهبت لاستقبال الأمير فهد وأخبرته أني معزوم لديكم فقال: أنا أحضر معك أتشرف بحضوري معك عند الشيخ أبو حبيب فهذا نموذج من النماذج.

الوالد حفظه الله كان له تواصل مع الأمير سلطان من أكثر من 40 سنة وكان بينهما صحبة وتآلف خاص لدرجة أن الأمير لا يذهب إلى مكان قريب أو بعيد من أرجاء المملكة إلا والوالد معه يصاحبه صحبة خاصة وهناك ألفة بينهما من نوع خاص.

يقول لي الأمير سلطان رحمه الله: أنا لا أرتاح في مجلس إلا إذا كان الشيخ ناصر حاضرا فيه، وكان الوالد يقوم بعدد من محاولات الصلح لنزاعات بين قبائل أو أشخاص بتوجيه من الأمير وكان لها ثمرات جيدة في إيجاد الألفة بين الناس وتعاون بعضهم مع بعض. أيضا كان الوالد يرفع له عددا من حوائج الناس فيما يتعلق بمساعدات مالية أو فيما يتعلق بحاجات معنوية أو في نقل أو غيره وكان لها مكانة ومنزلة عند الأمير ويلبي تلك الطلبات, وكان من نتائج ذلك العديد من المساهمات الخيرية، كذلك فيما يتعلق بالعلاج وأوامره بل أن الأمير وجه مكتبه بأنه إذا اتصل عليكم الشيخ ناصر فاكتبوا العلاج باسمي مباشرة ولاتراجعوني في ذلك، واستفاد من ذلك كثير من الناس، وهكذا أيضا فيما يتعلق بأداء النصيحة وإبراز الحكم الشرعي في عدد من المسائل التي تعرض على الأمير.

أذكر أني مرة زرت الأمير، فقال لي: الله يهدي الشيخ ناصر أتعبنا، فقلت في أي شيء الله يسلمك، قال: أنا سابقا كنت أقرأ في الليل ثمنين من القرآن كل ليلة والشيخ ناصر ألزمني أن أقرأ نصف جزء كل ليلة أي أربعة أثمان وهذا يتعبني بل يسقط رأسي مرات قبل أن أكمل حزبي اليومي.

وهناك العديد من الوقائع التي وقعت بين الوالد والأمير سلطان وهي حوادث ألفة ومحبة ومودة وكذلك فيما يتعلق بإبراز الحكم الشرعي وفيما يتعلق بالنصح وفيما يتعلق بإظهار معاني الأبوة عند الأمير سلطان تجاه الناس أو تجاه أفراد المواطنين هكذا أيضا الموضوعات التي لها جانب إسلامي أو دعوي مما أشرف عليه الوالد مباشرة, أو كان له رأي فيه.

كان الأمير - غفر الله له- يكثر من الاتصال بي ويسألني في قضايا عامة بل في قضايا خاصة جداً، أنا أذكر لك نموذج ذلك سألني وأنا كنت عنده في المكتب وقال: أنا يكلفني الذهاب لزوجاتي الأخريات فأنا أجلس عند أم خالد خصوصا إن الفجر إذا صلينا في بيتها يكون عندنا أناس فنصلي جماعة فهل يلحقني حرج من عدم ذهابي للزوجات الأخريات وكانت إحدى زوجاته أخت الأستاذ محمد المري، فقلت إن شاء الله يسمحون لك ويأذنون لك فكان معي الأستاذ محمد قال: نعم يأذنون، فقال: اتصل بهم لعلهم يتنازلون عن حقهم لأني والله ما أستطيع وهذا كان في أواخر أيامه غفر الله له وأسكنه فسيح جناته، انظر مدى حرصه على ألا يلحق ذمته شيء حتى في أيام مرضه وكان يقول: أنا أحرص أن أبقى في هذا البيت لأن هناك جماعة أتمكن من أداء الصلوات معهم. وكان الأمير في العشر الأواخر من رمضان يكون في مكة وكنت آتيه بالبيت فأسلم عليهم آخر الليل في إحدى الليالي وكان رحمه الله يصلي صلاة القيام مع إمام مسجده يصلون ست ركعات ثم يكون هناك مجلس ذكر ثم بعد ذلك يصلون أربع ركعات فكنت إذا أتيت يطلبون مني أن ألقي كلمة الذكر بين الصلوات, والأمير رحمه الله كان يحضر يصلي صلاة القيام مع الإمام ويحضر عدد من أصحاب السمو الأمراء من أبناء الأمير وأبناء قرابته كلهم يصلون مع الأمير صلاة قيام الليل آخر الليل في شهر رمضان.

وهناك أيضا العديد من المواقف التي قد أستصعب أن أستعرضها وقد لا يكون من المستحسن أن أعرضها.

وكان آخر لقاء لي بالأمير قبل أكثر من سنة كنا مع لجنة الصندوق الخيري لمعالجة المرضى معنا الشيخ عبدالله المطلق ومجموعة من أعضاء مجلس الصندوق فلما جئنا عرضنا عليه الصندوق وأعماله قال: كم تبون مني التبرع عشرة ملايين عشرين مليون ثلاثين مليون، فقال الشيخ عبدالله: كثر الله خيرك، فقال اكتبوا ثلاثين مليون للصندوق الخيري ولما جئنا ننصرف وسلمت عليه قال: أنت وإن كنت أصغر مني سنا ولكني أعتبرك بمثابة الوالد والشيخ ناصر والد الجميع فهذا آخر موقف لي مع الأمير أسأل الله أن يغفر له ويسكنه فسيح جناته ويرفع درجته في عليين.

فلما خرجنا قال لي الأمير خالد بن سلطان ما رأيت الأمير مبتهجا مثل اليوم بسماعه لهذه الأخبار وبدأ يثني ويشكر ويتشكر من الدور الذي يقوم به الصندوق الخيري لمعالجة المرضى - والصندوق ثمرة عظيمة له رحمه الله - ساهم في علاج آلاف الأشخاص الذين أصابتهم إعاقة لا تمكنهم من مزاولة الحياة مثل المقعدين أو الذين يحتاجون إلى تأهيل للعودة إلى الحياة، لما ذكرت له مرة أن هناك أشخاصاً لم يكونوا يسجدون فتمكنوا من السجود هملت عينه، أيضا فيما يتعلق بعرض حالات وحاجات الناس كان كثير من المرضى الذين يعالجون في الصندوق يتولى الأمير علاجهم وأكبر داعم للصندوق الخيري هو سمو الأمير غفر الله له وأسكنه فسيح جناته ولذلك هناك مسوؤلية نطلب من أبنائه أن يستمروا على هذا النهج وهناك مسوؤلية أيضا على جميع أفراد الأسرة حتى يخرج فيهم قامات شامخة يتولون بعض الأدوار التي كان يقوم بها الأمير، لو خرج عندنا خمسة أشخاص كل منهم يتولى جانبا من هذه الجوانب يقوم بهذه المهام التي يقوم بها الأمير كل منهم في جانب لقدمنا إلى مجتمعنا أعمالاً صالحة ومشاريع خيرية متعددة.

في جلسة من الجلسات أمسكني - رحمه الله - وقال: ما هي أخبار الصندوق؟ قلت: إن شاء الله أموره طيبة قال احرصوا عليه ينفعنا الله به غدا.

عندما أرى تقدير الأمير لشخصي أظن أنه لا يسأل غيري ولا يقدّر سواي وأنه مقتصر علي فإذا شاهدته مع غيري إذا به قد سأل مائة عالم أو أكثر في مسائل متعددة وأنه يقدرهم ويجلهم ويحترمهم ويحسن إليهم ويتخلق معهم بأحسن الأخلاق وأعلاها وينتقي أحسن الألفاظ.

أذكر مرة لما دعوت الأمير في البيت وجاء معه مجموعة كبيرة من العلماء الذين لهم مكانة ومنزلة فقلت أنا أعتذر إننا أكثرنا من المدعوين الليلة قال من نحن بدون الناس نحن للناس والناس لنا فمثل هذه الكلمة تهز الواحد لأنه فرح بالعلماء، وكان رحمه الله إذا جلس مع العلماء يحاول يناقش في بعض المسائل عندهم من أجل أن يشغل المجلس بهذه المسائل ليكون النقاش فيها وإن كانت هناك نقاشات له أخرى في مسائل متعددة في أمور في عدد من المجالس يناقش بنقاش مفيد، وفي بعض جلساته كانت تطرح له بعض المسائل فيرسل بملخص ما دار في ذلك الحوار من أجل إبداء الرأي الشرعي حول تلك المسألة وما هي المقترحات التي يمكن أن تعطى في مثل هذا الموضوع ليكون على أكمل الوجوه وأتمها.

لاشك أن المسلم يعلم أن أهل الإسلام لحمة واحدة وأن على قمة ذلك ما يتعلق بولاة الأمور وما يتعلق بالعلماء ومن هنا فالعلماء عيبة نصح لولاة الأمور يبدون لهم مايرون أنه يقرب الجميع لله عز وجل بدون مواربة ولا نفاق لإصلاح أحوال الأمة وجعلها على أكمل الوجوه وأتمها لتكون متوافقة مع شرع رب العزة والجلال، مثل هذا التصرف يشهد له العديد من الوقائع التي حضرتها وحضرها غيري أذكر مثلا أنّا كنا في الطائف والأمير في جدة، وجاءني سؤال من الأمير في مسألة علمية فقلت له: المشايخ ما جاءوا يسلمون عليك قال والله أنا مشتاق لهم كثير، ولا ودي أشق عليهم لأنه كان في جدة ونحن في الطائف، قلت لا مشقة في ذلك إذا رتبتوا لهم طائرة ورتبتوا لهم سيارات تنقلهم بيفرحون كثير ويسعدون برؤيتك قال مايشق عليهم قلت: لا ما يشق عليهم، فرتب اللقاء في أيام قليلة ورتبت الطائرة وانتقلنا مع أصحاب الفضيلة سماحة المفتي وأصحاب الفضيلة العلماء إلى جدة وقابلنا الأمير ولما أردنا أن نخرج عاتبني قال: لماذا جعلت الغداء في بيتك للمشايخ ولم تجعلوه في بيتي قلت محلي محل لكم فأسأل الله أن يغفر له.

وكنت عضوا في اللجنة التحضيرية للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لسنوات طويلة والأمير رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمجلس بعضوية مجموعة من أصحاب السمو وهناك العديد من الأعمال العلمية والدعوية والإسلامية التي يرعاها المجلس وقد قدم المجلس خدمات جليلة لرعاية هذه الأعمال من بناء مراكز إلى دعم مشاريع خيرية إلى مشاريع تعليمية إلى غير ذلك ولا يمكن أن أحصر هذه الأعمال، وكان الأمير يتابع ذلك كله.

وأذكر في مرة من المرات أنه عاتبنا عتاباً لطيفاً وقال: الاقتراحات التي تقترحونها لا تتناسب مع مكانة المملكة نقترح ثلاثة ملايين أربعة ملايين في المشروع الخيري ترى اقتراحاتكم لا تتناسب مع مكانة المملكة فعندما تجد مثل هذا تجد دفعة معنوية قوية في الاستمرار في هذا العمل ويعطينا ثقة برعايته، بل إن حرصه يجعلنا نحرص على تقديم أعلى مستويات الاقتراحات بحيث إنك مطمئن أن هذا المقترح سيجد إن شاء الله قبولا عند المسؤول، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قدم خدمات جليلة وأنا شاهد على هذا المجلس وعلى حسن رعاية الأمير له وعلى قيامه بالكثير من المشاريع التي قامت في مشارق الأرض ومغاربها وكان عمله في ذلك لا يقتصر على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أذكر أن أحد المراكز الإسلامية عندهم مدرسة سينشئونها في نيويورك وهو مسجد التوحيد فجاء القائمون على المشروع بالأوراق ورتبناها وأدخلناها وعرضت على الأمير وكنا نقترح أنها تروح للمجلس الأعلى فقال الأمير: لا، نحولها للسفارة تعطينا الرأي فكتبت السفارة كتابة جيدة عن الموضوع فقال يعطون مليون دولار وهم لم يكونوا يتوقعون ذلك بل كانوا يتوقعون مائة أو مائتين ألف إلى ثلاثمائة.

ومن الأعمال الصالحة له رحمه الله دعمه المعنوي لجامعة المعرفة العالمية، فقد جرى حديث بيني وبينه في استغلال الإنترنت في نشر العلم الشرعي وبثه في الأمة فأبديت له الفكرة وأعطيت بعض الملامح وبعض الأفكار وأيدها وقلت حنا مانستطيع ننطلق إلا بتأييد معنوي خاص من سموكم وقال المشروع الذي تكونون فيه ويكون بتأييد من سماحة المفتي فأنا معه مئة في المئة، قلت: نريدك رئيسا فخريا لهذه الجامعة فقال موافق فخرجت مباشرة وذهبت إلى مكتب الوالد في الديوان الملكي في جدة وكتبت ورقة لأنني خشيت أن ينسى فكتبت تلك الورقة وقدمتها لسمو الأمير وقال لا بأس كم تريدون من الدعم المادي في الجامعة قلت إن شاء الله أنا أقوم بها وإن احتجنا شيء فأنتم لن تكونوا مقصرين، نحن الآن نحتاج للدعم المعنوي، ولما خرجت جاءني رئيس ديوان ولي العهد وقال لي: وين وين ما هذه الورقة قلت اقرأ قال لي تروح ورقة ليست لها قيمة فعطنيها أوثقها وانظر لانتقائه للرجال أيضا فوُثقت وسجلت في الصادر والوارد عندهم في الديوان.

وجامعة المعرفة جامعة الكترونية افتراضية في فصول افتراضية تنشر العلم يحضر الأستاذ والطلاب في وقت واحد ويقوم الأستاذ بمناقشة طلابه وتكليفهم بالبحوث والدراسات وشرح المادة العلمية، وفي آخر الفصل الدراسي يحضر الطلاب في مراكز الاختبار فيختبرون ما درسوه، بحيث يدرس الطالب أربع سنوات دراسية، وقد أنشأناها من ثلاثة أقسام هي: قسم شريعة وقسم دراسات قرآنية وقسم دراسات إسلامية باللغة الإنجليزية، وأخبرته بعد سنة قال: ورا ماتزوروني من أجل شرح أعمال الجامعة، فكلمت سماحة المفتي وذهبنا سويا لأن مجلس الأمناء برئاسة سماحة المفتي ونائبه الوالد الكريم الشيخ ناصر الشثري وعضوية عدد من أصحاب الفضيلة العلماء، وجلسنا مع الأمير وعرضنا شرحاً مرئياً عن الجامعة ودورها وعرضنا بعض الرسائل والكتابات المشتملة على ثناء الطلاب وبعض الأساتذة فلما خرجنا أكد الأمير على مكتبه أن ينشروا هذا اللقاء ويأخذوا منه معلومات وافية لتنشر في الصحف من الغد فجاءت في ذلك اليوم في جميع الصحف السعودية في الصفحة الأولى نبذة عن لقاء الأمير ونبذة عن جميع ما يتعلق بالجامعة.

وفي لقاءات مختلفة كان سمو الأمير يشير إلى حرصه على رفع المستوى الشرعي والديني لضباط وأفراد القوات المسلحة ومن هنا قال لي إننا لا نضمن ولاء أحد إلا إذا كان يخاف من الله، وقال من خاف الله فإنه حينئذ يحرص على أن يكون خادما لهذه الدولة وقائما بحمايتها ولذلك كان يحرص على إقامة برامج توعوية في عدد من مناطق المملكة لضباط وقادة القوات المسلحة وأذكر أنني شاركت في العديد من هذه البرامج حيث كانوا يرتبون الطائرة تذهب بأصحاب الفضيلة العلماء إلى مناطق المملكة المختلفة ويحرصون على أن يلقوا المحاضرات وقد رتبت برامج توعوية وطبعت الكتب العديدة، وكان للشؤون الدينية العديد من البرامج النافعة وكان الأمير يرعى هذه البرامج بنفسه وتلقى هذه البرامج دعما غير متناهي الحدود من أجل رفع المستوى الثقافي الشرعي لدى ضباط القوات المسلحة والأفراد وأنا كنت شاهدا على هذا وكان هناك دورات فكرية عديدة كنت أحرص على أن أدعو الضباط من الدورة العلمية وأقول بدل أن آتي إليكم احضروا إليّ ونأتي إن شاء الله في المجلس سويا وأجيب عن جميع أسئلتكم فكانوا يجتمعون عندي في كل مرة من مرات عقد هذه الدورات بعيدا عن الكرسي الدراسي الذي قد يظن طالبه أنه مقيد بتصرفات معينة.

ومن المواقف مع سموه أنه صدر تكليف من سمو الأمير لإعداد فرق تخطط استراتيجيا لعدد من القضايا لوضع استرتيجيات تتعلق بعمل المملكة في موضوعات متعددة لأنه كان يحرص على التخطيط والتنظيم ووضع استرتيجيات من أجل أن يسار عليها في مثل هذه الموضوعات، وشاركت في العديد من هذه الاستراتيجيات مما يدل على بعد نظره غفر الله له وأسكنه فسيح جناته، في أحد لقاءات الأمير حدثته في موضوع تكلمت معه عن تأييد الله عز وجل لمن قام بأمره عز وجل فذكر لي موقفا عجيبا وقال الملك عبدالعزيز ذهب لمفاوضة إحدى القبائل التي عندها بعض التردد في الولاء للدولة فلما جاء إليهم فإذا بهم قد كان في قلوبهم غير ما يظهرونه فأظهروا العصيان وجاءوا بقواتهم وأسلحتهم وأفرادهم للملك عبد العزيز من أجل هزيمته فهرب الملك عبدالعزيز منهم من أجل أن يستجمع قواه فلما ذهب الملك عبد العزيز كان يسير وبجواره جبل على يده اليمنى وبجواره على يده اليسرى واد فيه اشجار فقامت هذه القبائل بحرق هذه الاشجار والوقت صيف حار وحينئذ اجتمع عليهم حرارة الجو والخوف والرعب الذي هم فيه والنار التي كانت في الوادي والجبل الذي يصدهم فحينئذ التفت إلى أحد العلماء الذين كانوا معه يقال له الشيخ النمر فقال: ماذا لديك اليوم قال والله مالدي شيء فقال الملك عبدالعزيز نتضرع بين يدي الله يقول فنزل من خيله وتضرعوا بين يدي الله في لحظات ثم بعد ذلك فإذا بالله عز وجل يسوق لهم السحاب فتمطر وينزل عليهم فتطفئ النار وتمكنوا من عبور الوادي فلما عبروا الوادي سال الوادي فلم تتمكن تلك القبيلة من متابعتهم وحينئذ رتب طريقة معاملته مع القبيلة مرة أخرى يقول الأمير فإذا توكلنا على الله فإن الله عز وجل يؤيدنا وينصرنا كما نصر الملك عبد العزيز.

وأعتذر من القراء لأن العين تجيش والقلب مضطرب بسبب أن هذه القامة لا أستطيع أن أستجمع جميع الوقائع والحوادث التي وقعت وشاهدتها فضلا عما ينقل إلي وما يتحدث به الناس من أخبار أتأكد أنها صحيحة وصادقة.

وعلى كل فإن هذه البلاد أسست على أساس توحيد وإيمان ولذلك سيظهر الله عز وجل فيها بإذنه سبحانه من يستمر على هذا المنهج ويتبنى الموقف الإسلامي في جميع القضايا ويكون لديه الحرص على أن نقف بأيدينا وببذلنا في سبيل الله فإن الله عز وجل قد وعد من أنفق بأنه سيخلف له، قال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل يا بن آدم أنفق أُنفق عليك. في نصوص كثيرة متتابعة ولذلك من كان مع الله كان الله معه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). وفي حديثه الخاص كان سموه يشير أنه يفعل ذلك لله وأنه لا يرجو من ذلك جزاءً ولا ثوابا وإنما يرجو ثواب ذلك من رب العزة والجلال.

أسأل الله أن يغفر للأمير وأن يسكنه فسيح جناته وأن يعلي منزلته في جنة الخلد وأن يبارك في عقبه وأن يهيئ في هذه الأسرة من يقوم بالسير على طريقتهم وعلى منهجهم ليحفظ الله عز وجل بهم البلاد من شر كثير.