لقد تسنّى لي التشرُّف بالتعرُّف على شخصية الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - منذ سن مبكرة، فكانت علامات الزعامة ظاهرة في سلوكه بكل وضوح منذ أيامه الأولى.
ولئن كان لكل شخصية صفة خاصة تتسم بها وتنبني عليها جميع الصفات الأخرى، فإنّ الصفة الشخصية التي اتسمت بها شخصية الأمير سلطان - رحمه الله - هي صفة الكرم والبذل والعطاء. فمنذ صغره لم يكن يرد سائلاً مهما كانت الظروف. ويسير في حاجة من يقصده بكل اهتمام. وكم من مرة استدان لكي يقضي حاجة من سأله. وكانت عبارته الشهيرة التي عُرف بها على مر أيام حياته «أبشر بالخير» ملازمة له منذ أيامه الأولى، حتى غدت وكأنها خاتمه الذي يختم به كل أمور حياته.
وعرف الناس هذه الصفة فيه، فكانوا يلجأون إليه على الدوام ولسان حالهم:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ
يواسيك أو يسليك أو يتوجعُ
فما أحلى عبارة «أبشر بالخير» من عبارة، وما أحلى ما تدل عليه من صفات لهذا الأمير الكبير. فالكرم لدى الأمير سلطان كان سجيّة ولم يكن متكلفاً، فحب العطاء متأصِّل في شخصيته، لذلك لا تعجب إذا رأيته وقد لقي شخصاً في مكان عام أن يهديه السبحة التي في جيبه، أو الساعة التي يرتديها في يده. وكأنّ العطاء عنده أصبح لا شعورياً كما يتنفس أحدنا بشكل تلقائي دون حساب.
والصفة الأخرى التي لازمت الأمير سلطان في كل حياته، هي الهمة والمثابرة. فما من أمر يهمه إلاّ وقام بمتابعته حتى النهاية مهما استغرق ذلك من وقت وجهد. ولهذه الصفة الكثير من الأحداث التي تؤكدها والتي من أكثرها وضوحاً ورسوخاً في الأذهان ترسيم الحدود السعودية اليمنية: ذلك الملف الشائك المعقّد والذي تابعه الأمير سلطان على مدى سنوات طويلة دون كلل أو ملل، حتى تمكن في النهاية من التوقيع على اتفاقية مع اليمن الشقيق كانت محل تقدير محلي وعالمي. ولولا مثابرة الأمير وصبره لجرّ هذا الملف من الويلات على الأمة لا يعلمها إلاّ الله. ومن ثمرات همّته أنه يوم أن توفّاه الله كان يشغل أكثر من عشرين منصباً حكومياً تتوزّع بين ولايته للعهد، ووزيراً للدفاع، مروراً برئاسته اللجنة الوزارية لبرنامج التوازن الاقتصادي إلى رئاسته للمجلس الأعلى للقوى العاملة ... الخ وجميع مناصبه مهمة وحساسة وتلقى منه اهتماماً ومتابعة دائمين.
وكأنّ المتنبي كان يصفه عندما قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
ومن الصفات الأخرى التي تبرز في شخصيته: حبه للكمال. ومما أذكر في هذا الجانب أنّ والدته الأميرة حصة بنت أحمد السديري - رحمها الله - دواماً تلهج منذ صغر الأمير سلطان - رحمه الله - بأنه كريم وجزل في كل شيء وعمله كله بجزالة وحب للخير.. وهكذا كان الأمير سلطان - رحمه الله - يحب إذا عمل عملاً أن يتقنه. وهذا أمر ظاهر في سيرته العملية في جميع المناصب الإدارية التي عمل فيها، واستفاد من ذلك على الأخص وزارة الدفاع التي استلم زمامها لمدة طويلة، فصار الجيش السعودي، بفضل الله ثم بفضل مثابرته وحرصه على إتقان العمل، من أقوى الجيوش.
ومن الصفات البارزة الأخرى: شخصيته المحبوبة التي تجعله يألف ويؤلف، لذلك كان إخوته من الملوك يرغبون أن يكون في المؤتمرات الدولية على الدوام. وبسبب شخصيته السياسية واللطيفة والمتواضعة، فقد مثّل المملكة خير تمثيل، واستطاع أن ينشئ علاقات صداقة متينة مع عدد كبير من الدول والشخصيات حول العالم. فهو يقابلك أول ما يقابلك بابتسامة آسرة تحس فيها بصدق المودة، فترتاح إليه مباشرة، ثم إذا تكلم تدرك أنك أمام شخص راسخ الفؤاد عظيم الذكاء. فكان مظهره ومخبره يجتمعان على الحصول على ود الناس واحترامهم العميق.
إذاً: فقد كان الأمير سلطان كريماً، محبوباً، مثابراً، متقناً، حازماً سديد الرأي. ولكني كثيراً ما أقول بأنّ أعظم ما يتصف به الأمير سلطان كان تلك الرحمة الكبيرة التي يحملها بين جوانحه. فقد كان - رحمه الله - جياش العاطفة. فما أن يسمع عن بلاء أحد من الناس، إلاّ وتذرف عينه. ودموع الأمير سلطان لم تكن دموعاً جوفاء خاوية، بل كانت تحرك فيه براكين النخوة، فتراه يتحرك فوراً لنصرة مظلوم وإغاثة ملهوف. والقصص التي تروى في هذا الباب تشبه الأساطير. فلمجرّد رؤيته صورة لامرأة في النيجر تنقب بيت النمل بحثاً عن الغذاء حرّك أساطيل من الإغاثة وصلت معظم الدول الأفريقية، ولم يكتف عند ذلك الحد، بل إنه أنشأ عملاً مؤسساتياً كاملاً مهمته استمرار قوافل الإغاثة للقارة الأفريقية. فأي رحمة هذه، وأي همّة هذه.
ورحمة هذا الأمير الكريم لم تتوقّف عند أحد، فمن وصلته مكارمه في داخل المملكة وخارجها لا يُعَد، ومآثره في هذا الباب أكثر من أن تُحصى. ولا نبالغ إذا قلنا بأنه لولا الله ثم المؤسسات الخيرية الجبارة التي أنشأها خلال سني عمره لمات بموت سلطان الآلاف من الناس، الذين شملهم كرمه بالنفقة أو العلاج وغيرها.
لقد رحل سلطان الخير وخلف من بعده سيرة عطرة وثناءً على كل لسان، فكان كما قال الشاعر:
يبقى الثناءُ وتذهبُ الأموالُ
ولكل دهرٍ دولةٌ ورجالُ
لقد اعتاد هذا الوطن لمدة تزيد عن خمسة وستين عاماً على وجود سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز في دائرة القرار، فكان من رجال الدولة السعودية الأشاوس بحق، وكان وجوده يبعث الطمأنينة والثقة. واعتاد المواطنون على وجود الأمير سلطان، فكانوا يشعرون به أباً وأخاً يلجؤون إليه - بعد الله - في نوائب الدهر. وفَقْدُه قد أحدث شرخاً كبيراً نظراً لحجم المسؤوليات التي كان يضطلع بها. ونحمد الله تعالى أن جعل في ذرِّية الملك عبد العزيز - رحمه الله - من يحمل الراية بنفس الهمّة والنشاط اللذين كان يتميّز بهما فقيدنا الراحل كما قال الشاعر:
إذا سيد منا خلا قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول
وإنني أتقدّم بأحرّ التعازي إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وإلى إخوانه أصحاب السمو الملكي الأمراء:
الأمير بندر بن عبد العزيز، الأمير مساعد بن عبد العزيز، الأمير مشعل بن عبد العزيز - رئيس هيئة البيعة، الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز - نائب وزير الدفاع والطيران، الأمير متعب بن عبد العزيز، الأمير طلال بن عبد العزيز، الأمير بدر بن عبد العزيز، الأمير تركي بن عبد العزيز، الأمير نواف بن عبد العزيز - المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، الأمير نايف بن عبد العزيز - ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الأمير سلمان بن عبد العزيز - أمير منطقة الرياض، الأمير ممدوح بن عبد العزيز، الأمير عبد الإله بن عبد العزيز - مستشار خادم الحرمين الشريفين، الأمير سطام بن عبد العزيز - نائب أمير منطقة الرياض، الأمير أحمد بن عبد العزيز - نائب وزير الداخلية، الأمير مشهور بن عبد العزيز، الأمير هذلول بن عبد العزيز، الأمير مقرن بن عبد العزيز - رئيس الاستخبارات العامة.
وإلى أخواته صاحبات السمو الملكي الأميرات:
الأميرة نوف، الأميرة نورة، الأميرة لطيفة، الأميرة جواهر، الأميرة الجوهرة، الأميرة مشاعل، الأميرة مضاوي، الأميرة عبطاء، الأميرة طرفة.
وإلى أبناء المغفور له بإذن الله أصحاب السمو الملكي الأمراء:
الأمير خالد بن سلطان - مساعد وزير الدفاع للشؤون العسكرية، الأمير فهد بن سلطان - أمير منطقة تبوك، الأمير بندر بن سلطان - الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، الأمير تركي بن سلطان - نائب وزير الثقافة والإعلام، الأمير فيصل بن سلطان - الأمين العام
لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية، الأمير سعود بن سلطان، الأمير منصور بن سلطان، الأمير فواز بن سلطان، الأمير أحمد بن سلطان، الأمير سلمان بن سلطان - مساعد أمين عام مجلس الأمن الوطني، الأمير بدر بن سلطان، الأمير نايف بن سلطان، الأمير عبد الإله بن سلطان، الأمير نواف بن سلطان، الأمير عبد الله بن سلطان، الأمير مشعل بن سلطان، الأمير عبد المجيد بن سلطان.
وإلى بنات المغفور له بإذن الله صاحبات السمو الملكي الأميرات:
الأميرة نوف، الأميرة البندري، الأميرة لطيفة، الأميرة جواهر، الأميرة لولوة، الأميرة نورة، الأميرة عتاب، الأميرة سارة، الأميرة ريم، الأميرة ديما، الأميرة عبير، الأميرة دعد، الأميرة مشاعل، الأميرة العنود.
وإلى أصحاب السمو الملكي الأمراء والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل والأمتين العربية والإسلامية.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}