تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد لم يفاجئ أحدا من المراقبين المطلعين في داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها, فقد كان النائب الثاني بعد الأمير سلطان ومن الطبيعي أن يخلفه في ولاية العهد. ولذلك كان تعيينه أمرا متوقعا, وفقه الله إلى الاستمرار في القيام بدوره في استقرار البلاد وتطورها. وبولاية العهد عظمت مسؤولياته بلا شك. والأمر ليس ببساطة الانتقال من رتبة إلى رتبة. بل بتوسع مجال المسؤولية مما يتطلب شمولية أوسع في ارتباط الحاضر بالمستقبل وهو ما يميز الرؤية المطلوبة في القيادة العليا. وسموه بلا شك على قدر الطموحات والآمال.
وقد اضطلع بالعديد من المناصب ومواقع المسؤولية الرسمية وتعددت روافد تجربته في صنع القرار وتنفيذ مستلزماته. وأرى شخصيا أن موقعه كوزير للداخلية - بالإضافة إلى كونه الآن النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وولي العهد- هو الأهم بينها, لكونها مسؤولية تركز اهتمامه على الأمن, وبدون الأمن لا أمل في مستقبل مرضٍ. ولكونها تجربة ثرية عبر مرحلة اتسمت بالكثير من التغيرات الاقتصادية والإيديولوجية, وكلاهما تركت بصماتها العميقة في بنية التوجهات الداخلية والتأثيرات الخارجية. ولولا قدرة الأمير نايف على التعامل معها بحكمة فائقة وحزم لائق لربما تصاعدت من احتمالات تصدع في مرحلة ثورة الخميني وحركة الجهيمان إلى شروخ يصعب شفاؤها. وإذ لم تتحقق الفوضى العارمة التي كانت تتهدد استقرار المملكة أتيحت فرصة للبناء الاقتصادي تحت ظل آمن. ثم اضطربت الجيرة بفعل التسيس في الحركات الإسلاموية وغيرها وامتداداتها في منطقة الخليج, ومتغيرات تطاول مخالب الإرهاب على مدى عقود لتستهدف أمن المملكة ضمن سلة متنوعة من «الأعداء» المستهدفين. ولولا تصدي وزارة الداخلية بحزم للعدو المتخفي في خلايا قاعدية سرية تنتشر بصمت وتستشري في عدوانيتها حتى جرؤت أن تعمل في داخل البلاد, لربما كانت أوضاعنا تداخلا مؤلما بين كل روافد القلقلة ما كان لينتهي ألا بنزيف الوطن فاقدا لاستقراره ونمو اقتصاده.
واضح أن من يتأمل في تجربة الأمير نايف الممتدة في الزمن -كوزير للداخلية عبر عقود توالت فيها الأزمات من ثورة الخميني, إلى حرب الخليج الأولى إلى غزو العراق للكويت, إلى تفجيرات برجي التجارة في نيويورك؛ وكلها يتداخل فيها التوتر في العلاقات الخارجية مع الضغوط المواكبة في التفاعلات الداخلية بتأزم يصل إلى حد تهديد أمن البلاد خارجيا وداخليا - يجد سمو الأمير نايف الخيار الأمثل لولاية العهد الواعدة بإيجابية النتائج في زمن صعب المتطلبات؛ فقد استمر يتعامل بحكمة وحزم مع المستجدات الأمنية في الداخل, والجوار القريب والبعيد, في تواؤم دائم مع المتطلبات المتغيرة, ومرونة استحداثها أو تطبيقها مع متغيرات المجتمع وضغوط الواقع؛ وفي تناغم مع قمة القيادة العليا وصناعة القرار. من تابع قراراته المتصفة بالحصافة والحزم والمرونة يعلم كم كان دوره مهما في استقرار أوضاع المملكة السعودية وإبقائها على بر الأمان متمتعة بالأمن والاستعصاء على محاولات القلقلة.
يبقى أن تبوأه موقع ولاية العهد سيفتح آفاقا أشمل تتطلب سعة النظرة وحكمة التعامل لتمتد إلى ما يتعلق بمتطلبات البناء المستقبلي الأبعد من الحفاظ على الاستقرار المرتبط بالحاضر دائما.
أحلم أن تجد المرأة في النظرة الشاملة هذه موقع أولوية في اهتماماته إذ هي نصف المجتمع وأكثر من نصف الطاقة المؤهلة للعمل وبتمكينها وتفعيلها كطاقة بناء ستؤتي مساهماتها نتائج إيجابية اقتصاديا واجتماعيا ؛ فحين تتطور نظرة المجتمع تحت ريادة القرارات الحكيمة الحازمة ستتطور ثقافة المجتمع ككل إلى التركيز على الاستقرار الاجتماعي بعيدا عن تأجج مسببات القلقلة داخليا مثل جراح الشعور بالحاجة المادية, وسوءات الاعتماد على العمالة العابرة, فيترسخ مبدأ التدريب وأولوية توطين المهارات والتجربة والكفاءة المحلية رجالية ونسائية.
أملي كبير أن يكون ضمن مستشاري ولي العهد كفاءات وطنية نسائية ورجالية تفهم شمولية متطلبات الأمن لعملية البناء والرخاء والرضاء بين أفراد المجتمع حيث هذه الشمولية إلى جانب الاستعداد الأمني المستعد لأي انفلات هي في الأخير ما يضمن استقرار الأمن بصورة دائمة متجذرة.