يوم خلّف الرئيس بشار الأسد والده في رئاسة سوريا، استبشرت الجماهير العربية وصول شاب مثقف قارئ جيد للفكر والتاريخ مفعم بالنشاط يمتلك رؤية واضحة بضرورة إحداث الإصلاحات في بلد عاش خارج تطور الفكر السياسي أكثر من ثلاثة قرون، عزز هذا الانطباع الأحاديث الأولية للرئيس بشار الأسد وأطروحاته التي ركزت على ضروريات الإصلاح، إلا أن السنوات الأولى لحكمه وما تبعها أظهرت أن الرئيس مكبل بأفكار الحرس القديم، فظلت وعود الإصلاح «إبر تخدير» انتهى مفعولها مع هبات الربيع العربي، وبدلاً من أن يتعظ الرئيس وتنير طريقه قراءاته للتاريخ وخاصة الاستفادة مما جرى حوله من تغييرات دراماتيكية إلا أن عقلية الماضي، والتمترس خلف أفكار بالية والتشبث ببضاعة بائدة وكاسدة لم يعد يتقبلها المواطن السوري الذي مل وعود الإصلاح لينعتق من ربقة الخوف مواجها النظام بكل أجهزته القمعية، مما أسقط هيبة النظام وجعله آيلاً للسقوط مهما حاول هذا النظام شراء الوقت بتأجيل استحقاقات الانتفاضة السورية التي تحولت إلى ثورة حقيقة لا يمكن أن تتوقف إلا بتغيير النظام.
بشار الأسد يكرر نفس خطأ صدام حسين الذي رفض كل المبادرات المخلصة لإنقاذ العراق وأضاع على العرب تحركهم لتفعيل مبادراتهم الخيرة ليلقف العالم الغربي الفرصة ويجهز على العراق، نفس الدرس تكرر في ليبيا فقد رفض العقيد القذافي كل المبادرات لينتهي نظامه ويقضى عليه وعلى أفراد عائلته.
الآن تكرر فصول المأساة في سوريا فلا يزال الفكر والسلوك والممارسة نفسها التي ستوصل الأوضاع إلى نفس النهايات المدمرة التي شهدتها العراق وليبيا، وكان منتظراً أن يكون بشار الأسد أفضل من غيره كونه أظهر في بداياته استعداداً للتغيير للأفضل وإحداث الإصلاحات، إلا أن معالجة الانتفاضة السورية أظهرت عدم قدرة النظام السوري أصلا للتطور وإصلاح أوضاعه ولذلك فإن كل ما يجري الآن تطويل للأزمة وارتكاب مزيد من جرائم القتل للسوريين مع أن النهاية معروفة ولن تخرج عما آل إليه العراق وليبيا.
jaser@al-jazirah.com.sa