لم يكن اختيار سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - يرعاه الله- وليا للعهد مفاجئا لأي أحد، فهو في قلب الحدث سندا قويا لوالده وإخوانه الملوك - رحم الله الأموات منهم- على مدى عقود طويلة. إن ما يميز شخصية سموه هو الهدوء والحكمة والمقدرة الاستثنائية على انتقاء الكلمات، فلا يوجد في قاموسه كلمة زائدة أو مكررة، فهو يزن كل كلمة قبل ان يتفوه بها، وهذه ميزة قل أن يتحلى بها المتحدثون، ولعل الجميع تابع كلمته التي أعقبت مراسم دفن فقيد الوطن الأمير سلطان بن عبدالعزيز - يرحمه الله-، فقد لخص فيها بأقل الكلمات وأكثرها وضوحا علاقة الملك بولي عهده الأمين. إضافة إلى ذلك، فإنه مستمع يجيد فن الإنصات، وقد اشتهر بهذه الخصلة حتى أصبحت لازمة له. وهناك اتفاق بأنه لو تم استفتاء شعبي لاتفقت آراء الناس مع الإرادة الملكية باختيار هذه الشخصية البارزة كرجل للمرحلة.
هناك نقطتان تثاران دائما عندما يأتي الحديث عن سمو الأمير نايف، أولاهما هي « أنه رجل أمن»، ويخفى على هؤلاء الارتباط الوثيق بين الأمن والسياسة، فالعمل الأمني يعتبر أحد أهم ركائز الحراك السياسي، كما يخفى عليهم أن القرار السياسي بالمملكة يتم بالتشاور بين رجالات الدولة البارزين، والأمير نايف - يحفظه الله- هو أحد هؤلاء الرجال الذين عاصروا كل ملوك المملكة على مدى عقود، وشارك بفعالية في رسم سياساتها الداخلية والخارجية. الأمر الآخر- وهو الذي يثار دوما من خلال وسائل الإعلام الغربية - هو القول بأن سموه « محافظ»!. إن هذا الادعاء يتجاهل حقيقة أن شعب المملكة كله محافظ بطبيعته، وأن المملكة تعتبر بلدا محافظا له خصوصيته بحكم احتضانها لمأوى أفئدة المسلمين.
إضافة إلى ذلك، فإن من يعرف سموه يعلم أنه قارئ مثقف يملك فكرا نيرا منفتحا على كل الأطياف، ولديه المقدرة على إدارة الحوار والخروج به إلى بر الأمان مهما كانت المعوقات. أذكر بهذا الخصوص أنني تشرفت مع أعضاء مجلس جامعة الملك سعود بزيارته في مكتبه بوزارة الداخلية إبان عملي بالجامعة قبل عدة سنوات، وقد خرجنا من ذلك اللقاء بانطباعات كثيرة كان أهمها أننا كنا أمام شخصية تتمتع بالحكمة، وتتابع ما يدور في كل ركن من أركان الوطن. تحدث سموه - يرعاه الله- عن الجامعة ودورها في توعية المجتمع، وعن المناهج التعليمية، وعن الأستاذ الجامعي وأهمية ما يقوم به، وعن البحوث العلمية ودورها في التنمية والتوعية. أذكر أيضا أنه أوصانا بالطلاب، وحثنا على بذل كل جهد ممكن في سبيل تخريج جيل قادر على أن يساهم في التنمية ويحافظ على المكتسبات الوطنية. كان يتحدث من القلب، وجعل كل واحد منا يشعر بأنه يوليه أهمية خاصة.
عندما تقابل المسؤول الأول عن الأمن فإن ما يتبادر إلى ذهنك هو أنك ستكون وجها لوجه مع شخصية شرسة جافة، ولكننا في ذلك اللقاء كنا أمام شخصية تتمتع بالأريحية وفيض المشاعر، لدرجة أن كثير من الزملاء انطلقوا يتحدثون بعفوية جعلت ذلك اللقاء يمتد لأكثر من ساعتين، على عكس ما كان مقررا له، وهو بالتأكيد ما أسعدنا جميعا.
وختاما، نهنئ الوطن ونهنئ أنفسنا باختيار سمو الأمير نايف وليا للعهد عضدا لخادم الحرمين الشريفين - يحفظهما الله-، فهو خير خلف لخير سلف، وندعو الله أن يطيل في عمريهما ويمتعهما بالصحة والعافية، آمين.
amfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@