ليس هناك أفصح من مشهد رحيل الأمير ومبايعة الأمير والتلاحم الوطني الكبير، هذا المشهد المهيب شغلنا بقوة على مدى الأيام القليلة الماضية، كل ما فيه جسد لنا الحلم والأمل والمشاريع القادمة، يوم الثلاثاء رحل سلطان بن عبد العزيز بعد حياة ملؤها الابتسامة والخير والعطاء والزرع والقطف والحصاد، سقانا والوطن حتى ارتوينا، أخذنا نحو مصبات المياه ولون الأرض والشمس وأوراق التوت وهامات النخيل، احتوانا بذراعيه وسورنا بالدعة ومنحنا الغيوم البيض وصد عنا الرياح العاتية، مشغول كان بنا حتى غرقنا في النوم بدلال، لم يكن به ضجر ولا ملل ولا تعب، كان مثل الحلم وبساتين الفرح وفراشة الروض، كان الأمير العاشق، يتكلم بلغة هادئة متزنة خالية من الهذيان، وبنصوص لها دليل على حالة الوجد والشوق والألفة والثبات، عاش سيدا وأميرا كبيرا ومات سيدا وأميرا كبيرا، وموته لن يسقطه من ذاكرتنا وحلمنا وتخيلنا، بعدها جاء تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز ومبايعته، عمود الأمن نايف وسوره العظيم وأسلاكه الشائكة والشجرة الكبيرة الوارفة وحامل الهموم العظام المنخرط في تفاصيل الوطن والمتدفق في تربته ورمله، إنه الأمير اللافت المميز، صاحب الوصف والتمكن، العارف لتشكيل الأشياء والدلالات والألوان، صاحب التميز الخاص والفنتازيا الخاصة، والوجه الخاص، نايف بن عبد العزيز شمعة من شموع التاريخ، ولازمة من لوازم الحياة، مهمته إشعال الشموع، وتبديد الظلام، وتهدئة النفوس، وتضميد الجراح، وفتح النوافذ لقطرات الندى، وضوء الشمس، والغيمة المتهادية، شكل البياض نايف ودهشته ولونه، موقظ الليل، وهازم الخفافيش الثقال السمان، ومزيح الخرافة والخنوع والنكوص والأذى، البارحة تذكرت الرحيل والمبايعة ومنظر التلاحم الوطني الكبير المهيب الذي صار حراك الوقت والحين ولسان الأعلام، جاءوا كلهم على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم ليكونوا أوفياء للوطن في ساعة الوفاء، ولكي يأخذوا الوطن معهم بنخوة نحو قرص الشمس، يتسورون حوله درع ومحراب، وليؤكدوا بثبات ويقين دوام الحياة وتمدد الحب والوفاء ليعانق بعدها الوطن الغيم ويمتزج بالمطر، لائذين به بشوق يشبه سحر النشوة، ومتوهجين به كنافورة عطر، وبرؤوس عالية لا تمسها الرياح القوية ولا ضربات الشمس، هذا الوطن المتشح ببرد الحدائق والورد والأقحوان، وشدوا البلابل ورن الجناجل ومثل ماء الجداول، وطنا ليس رخوا ولا منكسرا، زاد ضوءه حتى أصبح ضوؤه منسدلاعلى كافة أطراف الدنيا، يستحق منا أن نوقد له شمعة ونصر على بقائها متوقدة.
ramadanalanezi@hotmail.com