من أول وأهم الاحتياجات التي تلزم أي فريق رياضي ليحقق نتائج جيدة، وينافس على البطولات، ويحرز الكؤوس والألقاب، أن يتوافر له لاعبون موهوبون، على قدر من الكفاءة والقدرة الجيدة لتسجيل حضور وتقديم عطاء جيد وفق آلية اللعب والرسم الفني من قِبل المدرب، على أن يكون لدى هذه المجموعة رغبة جامحة في تحقيق البطولات والاندماج في المجموعة وتشكيل قوة متماسكة؛ وهو ما يعطي للفريق قوة إضافية وزيادة في الحيوية والحضور داخل المستطيل الأخضر. تلك أهم أدوات الفعل الكبير والإنجاز الرياضي، وبعد استحضارها تأتي الأدوات الأخرى ودورها، وتحديداً الجهاز الفني الذي تكون مسؤوليته (صياغة) الفريق وتوظيف مواهبه والاستفادة من عناصره ورغبة لاعبيه وجموحهم وقدراتهم الفنية، والجهاز الإداري الذي يستكمل العمل أو المنظومة، وهو المسؤول عن توفير (الاحتياجات) الأخرى للفريق بالقدر الذي يساعده على الاستقرار والتركيز والإنتاج. ولا شك في أن اختلال عمل أي أداة من أدوات الفعل في الفريق يؤثر بشكل أو بآخر في عمله ونشاطه وإنتاجه وبدرجات متفاوتة، غير أنه يبقي الفعل والنتاج الأولي والأكبر للأداء على المستطيل الأخضر للاعبين الذين بإمكانهم (إبطال) أي خلل وتغطية أي قصور وإنهاء أي مشكلة بالأداء والمستوى والروح اللذين يحملونهما، وما يُعرف كروياً بـ(روح الفريق الواحد).
روح الفريق الواحد لا تأتي من فراغ، وإنما تصنعها الألفة والمحبة والتماسك والتعاضد والغيرة والإيثار، ولا يكتسبها اللاعبون فجأة، أو لا تظهر في أخلاقيات أدائهم من دون سابق إنذار، وإنما لا بد لها من مواقف ومؤثرات ودوافع وقدوة تخرجها في أوقاتها وعند الحاجة إليها؛ فهي غالباً كتلة (كامنة) في نفس كل شخص، ويعتمد إظهارها على المحفزات التي يتعرض لها؛ فتحركها عندما تغيب، أو توقظها عندما تتثاوب، وتشعلها عند الاحتياج الأكبر، وهي تلك الحالات التي يظهر فيها دور الجهاز الإداري وقدرته على القيام بواجباته، وعلى الإعداد النفسي بالشكل الجيد والطريقة المناسبة، ولكن يبقي الدور الأول والفعل الأكبر للاعبين طموحاً وروحاً ورغبة وأداء على المستطيل الأخضر.
يقول السيد فرانك ريكارد مدرب المنتخب السعودي الأول لكرة القدم وهو يتحدث عن النتائج والمستويات الجيدة لمنتخب بلاده (هولندا) في نهائيات كاس العالم الأخيرة في جنوب إفريقيا: «المنتخب الهولندي يمكنه الفوز على أي فريق إذا ما سارت الأمور بالشكل الصحيح. السبب الرئيسي وراء النتيجة الجيدة التي حققها المنتخب بكأس العالم هو الجيل الموهوب إلى جانب روح الفريق الجيدة والرغبة بالفوز ببطولة كبيرة من أجل الدخول إلى تاريخ كرة القدم الهولندية».
جيل الفلوس وجيل الذهب
وإذا أردنا تطبيق نظرية السيد ريكارد محلياً فإنني يمكنني - وبكل سهولة - الاستشهاد بفريق نادي الاتحاد لكرة القدم؛ فالثابت لدي أن الفريق الذهبي في تاريخ النادي هو فريق (الثلاثية والرباعية)، الذي كان يمكنه الفوز على أي فريق، ولم يكن الفريق في تلك الفترة (1996 - 2000م) يملك جهازاً إدارياً خبيراً، ولا يدربه اسم عالمي كبير، ولم يكن يضم سوى عدد محدود من الأسماء الكبيرة والنجوم البارزة، مجموعة جيدة من اللاعبين العاديين المتجانسين وبعض القدرات المبدعة، و(قائد فذ) له أسلوب وطريقة مختلفة وكاريزما خاصة في قيادة الفريق، وقدرة كبيرة على استحضار (الروح المعنوية) لدى زملائه؛ إذ في كل خطوة إيجابية للفريق يكون الأول وفي المقدمة، وفي حاجات اللاعبين واحتياجاتهم يقدمهم ويؤثرهم على نفسه؛ لذلك تحقق للنادي بقيادته إنجازات ضخمة وخيالية تمثلت في الحصول على عشر بطولات خلال خمس سنوات فقط، هي البطولات الكبيرة محلياً وإقليمياً وقارياً، وهو ما لم يتحقق بعد ذلك إطلاقاً في الجيل الحالي للفريق؛ وذلك نتيجة افتقاده نظرية ريكارد إن جاز التعبير (الموهبة إلى جانب روح الفريق الجيدة والرغبة بالفوز ببطولة كبيرة من أجل الدخول إلى تاريخ كرة القدم).
كلام مشفر
- إذا أراد الاتحاديون العودة فإن أمامهم (فرصة ثمينة) تهيأت أمام مجلس الإدارة على (طبق من ذهب)، تتمثل في ضرورة إعادة شحن الفريق عناصرياً بالأسماء الشابة وفكرياً بأخلاقيات وروح لاعبي الاتحاد الحقيقية، وذلك لا يتحقق إلا بالتشبيب وإعفاء اللاعبين الذين شاخوا وتجاوزوا سن العطاء.
- ما الفائدة التي يجنيها فريق الاتحاد من كل اللاعبين الذين تجاوزا سن الثلاثين، ويجلسون على دكة البدلاء؟ ما الذي ترجوه من لاعب (شاخ) وتجمد مستواه، وهو لا يزال احتياطياً؟! لقد كانوا أولى بأن يُقال لهم (مع السلامة) قبل مصطفى ملائكة.
- الجيل الذهبي لفريق الاتحاد (جيل الثلاثية والذهبية) حقق عشر بطولات في خمس سنوات، من نحو خمس عشرة بطولة شارك فيها، أما الجيل الحالي فقد حقق ثماني بطولات فقط في عشر سنوات، ومن نحو أربعين بطولة شارك فيها.
- السبب في ذلك هو الفارق بين الجيلين؛ فالجيل السابق كان يمتلئ بالكامل برغبة اللعب والفوز والحيوية والإيثار وروح الفريق؛ لذلك كان جيل البطولات والذهب، أما الجيل الحالي فالرغبة عنده نرجسية، والروح ذاتية، وهمه الأول العقود والرواتب والمكافآت والهدايا العينية مثل الأراضي والسيارات؛ لذلك هو جيل اللهو والفلوس.
- في آخر خمس سنوات (2007-2011) لم يحقق فريق الاتحاد سوى ثلاث بطولات فقط، هي الدوري مرتين وكأس الأبطال مرة واحدة من واقع عشرين بطولة تقريباً شارك فيها، وذلك يعود لعدم وجود اللاعب القائد الذي يقدم مصلحة الفريق عطاء وروحاً وتضحية، ويؤثر على نفسه، ويبحث عن مصلحة الفريق والزملاء وليس مصلحته فقط.
- في كل مرة يخفق فيها الفريق ويعرف الجمهور الاتحادي أن رحيل بعض اللاعبين هو الحل، ولا مناص منه، يلجأ بعض الأبواق الإعلامية إلى (اختراع) نغمة العروض الخارجية للعزف واستدرار (عواطف) الجماهير، وما أظنها تنطلي هذه المرة؛ فقد أصبحت حبالاً بالية وحيلة قديمة ومستهلَكَة.