راعني وأنا خارج البلاد أن أتابع بحزن وأسى هبوط جثمان صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب سلطان بن عبد العزيز في مطار الرياض، ثم وهو ملفوفا في بشته المقصب يحمله الأمير نايف برفقة أبناء الفقيد إلى حيث مثواه الأخير !
في كل مرة نودع حبيبا إلى أنفسنا ندرك أنه لولا هذا الإيمان الذي أنعم به الله سبحانه علينا لما كنا نقوى على تحمل هذا الموقف العظيم، أن نودع الأحبة إلى حيث التراب، كيف نحتمل أن نترك أحبتنا في وحشة المقابر ونعود إلى بيوتنا، لولا أنها حقيقة الموت التي لامناص منها، كأس كل ذائقها، لزاغت قلوبنا خوفا وهلعا.
الأجساد كلها تبلى، لكن الفعل الطيب يخلد صاحبه في ذاكرة الناس ويدونونه في تاريخهم، فليس كل عابر..عابر !
ولم يكن سلطان بن عبد العزيز رجلاً عابراً، ولن يكون !
سيبقى في ذاكرة الجيش السعودي قائدا محنكا، ورجل حرب وسلام، طير حوران أسس جيشا وبنى عتادا، مثلما سيبقى في ذاكرة الشعب السعودي بقدر ما مسح دمع يتيم ورسم ابتسامة على وجه بائس حزين وضمد جراحا وأغاث ملهوفا.
سلطان جزء من تكوين ذاكرة جيلي، فقد فتحنا أعيننا وهو نائب ثان لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع، وظل واحدا من أهم الساسة العرب بطول باله ورؤيته البعيدة لحقيقة الأمور ودبلوماسيته الفذة وابتسامته الصادقة.
سلطان رمزكبرنا على وجوده بيننا، أن نفتقده اليوم، نفتقد جزءا من تاريخنا الشخصي والوطني.
اللحمة الوطنية التي تبدت إثر فقده هو شريك في صنعها، فقد سعى طوال حياته -رحمه الله- إلى جمع شمل القبائل وتوحيد المناطق وقد كانت جولاته الدائمة على المدن العسكرية في أنحاء البلاد شاهدا على ذلك.
قالها خالد الفيصل يوما وهو يودع عمه في رحلة سفر:
عند الموادع دمع عيني خذلني...... ومن لامني في حب سلطان غلطان
كلنا اليوم خذلتنا الدموع ونحن نرى سلطان فوق الأعناق محمولا إلى مثواه الأخير، وكلنا نقول من لامنا في حب سلطان غلطان، فمثله لايختلف على حبه أحد، فقد كان رجلا صحراويا تتقد الألمعية السياسية من عينيه ولاتفارق محياه ابتسامة الود والسلام، رحمه الله رحمة واسعه وأبقى لنا عبدالله ونايف يقودون بلادنا نحو الأمان والرخاء والاستقرار والوحدة الوطنية، اللهم آمين.
f.f.alotaibi@hotmail.com