تجاوز الآلام بالآمال والأماني والتطلعات هو عنوان كبير للدول التي تعي دورها، وتحافظ على منظومتها وفق سلاسة وتناغم واضح بين الواجب وما يجب والمهم والأهم، تلك هي السياسة التي درجت عليها المملكة العربية السعودية؛ فمن أشد المحن، وفي الأزمان الصعبة، في وقت ينتشر الخبر سريعاً، ويتم فيه التأويل، وتأخذ الأمور غايتها في التخمين والتوجس، هنا تبدو الكياسة التي هي من أجل صفات المؤمن؛ فالمؤمن كيّس فطن، ينظر إلى الأمور من منظار إيماني يحقق مصالح الدين والدنيا، وفراسة المؤمن لا تخيب؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر من مشكاة النبوة».
ونحن - ولله الحمد - في هذا البلد الطاهر نعيش أسرة متكاتفة متعاونة، يقودنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - شفاه الله وعافاه وسدد بالخير خطاه، وأعطاه ما تمناه في الدنيا والآخرة -، فالملك -حفظه الله- رأى بعين ثاقبة وبصيرة نافذة بتاريخ 30-3-1430هـ، الموافق 27-3-2009م، تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء بعد أن ظل هذا المنصب شاغراً منذ تولي خادم الحرمين مقاليد الحكم في 26-6-1426هـ، الموافق 1-8-2005م.
إن ما حدث يوم الخميس 29-11-1432هـ من صدور أمر ملكي باختيار صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد لهو اختيار مسدد، ورأي صائب، وأمر محمود العواقب بإذن الله تعالى. ولخادم الحرمين الشريفين فضل السبق في أمور كثيرة، ولعل اختيار ليلة الجمعة، وكذا يوم الجمعة، في إصدار أمور تصب في مصلحة الوطن والمواطنين دليلٌ على ذلك، وعلى تحري بإذن الله تعالى مواطن القبول. ومما يستبشر به أيضاً أن يكون ذلك التعيين لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد هو دخول أيام العشر المباركات من ذي الحجة.
وصاحب السمو الملكي الأمير نايف غني عن التعريف؛ فهو - يحفظه الله - تقلب بين مقاليد السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم والبناء والأمن والدين ما هو كفيل بأن يجعل منه نافذة مضيئة لاستشراف مستقبل واعد بحول الله تعالى.
ولصاحب السمو الملكي الأمير نايف شخصية واضحة، تأسرك حين يتحدث، وتأسرك مرة أخرى عندما تريد أن تتحدث إليه أو تلقي عليه سؤالاً؛ حيث يصغي إليك بسمعه وجوارحه، وينصت إليك حتى تُكمل سؤالك، فيعطيك الإجابة واضحة دون لَبْس، إجابة فورية وشافية، لا مداراة فيها ولا لبساً؛ فالدين عنده - حفظه الله -في المقام الأول، ثم يأتي بعد ذلك المليك والوطن.
وهناك دروس مستفادة تظهر جلية وواضحة من خلال سرعة البت في هذه الأمور، التي هي دأب الصالحين من أمة الإسلام؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما انتقل إلى جوار ربه قام أصحابه عليهم رضوان الله باختيار خليفة لهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو بكر رضي الله عنه، الذي أوصى بأن يكون خليفته قبيل وفاته عمر بن الخطاب رضي الله عنه. إنها لحظات حاسمة في تاريخ الأمة، تم فيها اتخاذ القرارات الجليلة؛ لوضعها في مكانها السليم.
إن من بين هذه الدروس عدم إتاحة الفرصة لبعض وسائل الإعلام للتأويل وللشائعات غير الصحيحة، كما أن منها قطع دابر ونبذ الفُرْقة واختلاف الكلمة، ومنها أيضاً المثل الأعلى في سلامة الاختيار بيسر وسهولة؛ ليضرب مثلاً أروع في توحد وتكاتف الأسرة المالكة التي هي جزء من الشعب، والشعب جزء منها، كما يوضح علو وسمو صفات الأمراء الكرام الذين أذعنوا لطاعة مليكهم ولرأي هيئة البيعة التي باركت التعيين.
نرجو الله جلت قدرته أن يعين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على هذه الأمانة والثقة الغالية، وهو أهل لها؛ فهو المتمرس بالأعمال داخلياً وخارجياً.
وختاماً، فإننا نهنئ صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز بولاية العهد، ونبايعه على ذلك؛ ففي رقابنا بيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتهنئة لأنفسنا وللارتياح الكبير الذي شوهد ولُمِس من خلال المشاهد الإعلامية، سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة، وكثيراً ما يتحدث عنه المواطنون، ولعل من المناسب أن تبادر شركات الاتصال إلى فتح باب إرسال الرسائل المجانية من خلال وسائط الاتصال المختلفة، تعرب فيها عن فرحتها وتأييدها لهذه البيعة المباركة في ظل القيادة الراشدة.
حقَّق الله لبلادنا ما تصبو إليه من أمن واستقرار وسعادة وفق قيادة راشدة. والله الموفق.
المدير العام للمهرجان الوطني للتراث والثقافة
alromis@yahoo.com