|
من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثيرا من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض فيها للنفحات، فها نحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات وها هي أيام وليالي عشر ذي الحجة تضلنا والتي أخبر الصادق المصدوق عن فضلها قائلا: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)، وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وروى ابن حبان رحمه الله في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الأيام يوم عرفة) فهلا شمرنا عن سواعدنا واغتنمنا أفضل الأعمال في هذه الأيام المباركة ومنها أداء الحج والعمرة وهو أفضل ما يعمل ويدل على فضله عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) كذلك صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها لغير الحاج وبالأخص يوم عرفة ولا شك أن الصيام من أفضل الأعمال وهو مما اصطفاه الله لنفسه كما في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) (متفق عليه) وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)، الصدقة وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) [رواه مسلم]، التكبير والذكر في هذه الأيام لقوله تعالى: (َيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أحمد رحمه الله وفيه: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم. وروى إسحاق رحمه الله عن فقهاء التابعين رحمة الله عليهم أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود من الله، ففي حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يغار، وغَيْرَةُ الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) (متفق عليه) كما يستحب الإكثار من قراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الرحم والدعاء وكثرة الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالسعيد من وفق للأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة والمحروم من حُرِم هذه الأجور العظيمة في هذه الأيام المعلومة التي نطق بفضلها القرآن، فعلى المسلم أن يعمر هذه الأيام وتلك الليالي بالأعمال الصالحة والأذكار النافعة.
- الرياض