لقد أكرم الله بلادنا - على مر العصور والأزمان- بأن جعل فيها بيته العتيق الذي تهفو إليه قلوب المسلمين وأفئدتهم بل وكان مقصد الحجاج من مختلف أصقاع العالم قبل بزوغ شمس الإسلام، دين الله الخاتم إلى البشر، فمنذ أن رفع نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام - القواعد من البيت، ومنذ أن أمر الخالق سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج 27).
منذ تلك الأزمان البعيدة وهذه المنطقة، بلادنا الغالية مقصد الناس، وإليها تُشد الرحال، ثم ازدادت شرفاً وفخراً حينما خصها العليم الحكيم سبحانه وتعالى بأن جعلها مهبط الوحي، ومبعث الرسالة التي اختتم بها الله سبحانه الدين، وصارت الديار المقدسة تشهد توافد ضيوف الرحمن كل عام قاصدين مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وقاصدين إلى المسجد النبوي بالمدينة المنورة للصلاة فيه، والسلام على رسول الله محمد خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، وبذلك تنال المملكة شرف القيام على خدمة الحرم المكي والمسجد النبوي وتهيئة المشاعر المقدسة في عرفة ومزدلفة ومنى، لتتم مناسك الحج للضيوف الكرام في يسر وأحسن حال.
وإن كان هذا الشرف الكبير تزداد مسؤولياته وتتعدد وتتنامى في موسم الحج من كل عام، فإن بقية أيام العام تشهد جموعاً حاشدة من المسلمين الذين يشدون الرحال لأداء العمرة وللصلاة في المسجد النبوي مما جعل شرف الخدمة ممتداً على مدى أيام السنة لتيسير وصول الضيوف، وتسهيل تنقلاتهم وإقامتهم ورعاية شؤونهم، منذ أن تطأ أقدامهم أرض هذا الوطن.
ويأتي موسم الحج كل عام، وتتضاعف فيه المسؤوليات حيث يحتشد المسلمون من مختلف أنحاء العالم ومن مختلف الجنسيات والثقافات، يحتشدون في مكان واحد يؤدون مناسك واحدة، ويعايشون ظروفاً واحدة في بقاع موحدة، جمعت بين قلوبهم وأفئدتهم قبل أن تجمع أشباحهم وأجسادهم يجتمعون في موقف إيماني مهيب في تلك البقاع الطاهرة وهم في حاجة لأن يتفرغوا لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام بعد أن منَّ الله عليهم بالاستطاعة ويسر سبيلهم إليه، وهنا تبرز بوضوح تلك المسؤوليات، بل شرف المسؤوليات التي تقع على عاتق هذه البلاد، القائمة على خدمة أولئك الضيوف.
ولقد أدرك ولاة الأمر في المملكة حفظهم الله بعظم هذه المسؤوليات وتبعات التشرف بها، منذ تأسيس صرح هذا الوطن فقد تمكن الملك المؤسس عبدالعزيز- طيب الله ثراه- من تأمين طرق الوصول إلى الديار المقدسة بعد أن أقام الأمن، ووطد دعائمه في هذه الصحراء المترامية الأطراف في وقت كانت رحلة الحج كما ذكر المؤرخون محفوفة بالمخاطر حتى قالوا: «إن الداخل فيها مفقود والعائد منها مولود»، ولذلك اتجه الملك المؤسس نحو الأمن لتسود مظلته البلاد وليصبح الحجاج في مأمن على أنفسهم وأموالهم.
واستمرت المملكة في تيسير سبل الحجيج منذ العهد السعودي الزاهر، وبذلت الجهود الجبارة الموفقة لتوسعة الحرم المكي والمشاعر المقدسة والمسجد النبوي، ولتيسير أمر الحج إيمانا بأن ذلك شرف وواجب ومسؤولية، وها هم حجاج بيت الله الحرام يشهدون على أعظم توسعة وتطوير تاريخية في عمارة المسجد الحرام، وفي توسعة المسعى بين الصفاء والمروة وتوسعة وتطوير جسر الجمرات الذي أتاح للحجاج رمي الجمرات بلا مشكلات من الزحام والتكدس، بعد أن أصبح بمقدور أكثر من ثلاثمائة ألف حاج كل ساعة المرور على الجسر الجديد بعد توسعته دون عوائق.
وقد شهد الجميع بعظمة الإنجازات في الخدمة المقدمة في المشاعر المقدسة حين رأوا قطار المشاعر المقدسة ينطلق لتيسير تنقل الضيوف الكرام، ذلك القطار الذي سيتم تطويره ليكون وسيلة حضارية ناطقة بما يتحقق على أرض المملكة من إنجازات، تسعى للوفاء بما يلقيه شرف خدمة الحجيج من مسؤوليات جليلة، تتزايد بارتفاع أعداد الضيوف الكرام كل عام.
إن هذه الخدمات التي تقدمها المملكة لحجاج بيت الله الحرام، والتي تتضاعف عاماً بعد عام تشارك في إنجازها وتقديمها وزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة - بلا منَّ أو مزايده - بل تعتبر ذلك واجباً وشرفاً، وهذا هو ما يؤكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في كثير من المواقف والمناسبات، حيث يدعو كافة الجهات المسؤولة في الدولة لبذل كل الجهود لخدمة ضيوف بيت الله الحرام، وتذليل كل الصعاب أمامهم ليتفرغوا لأداء المناسك، كما ترجمت دائماً لجنة الحج العليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز يحفظه الله ذلك التوجه السديد، وحرصت على إيجاد السياسات والبرامج الفاعلة، التي يرى ضيوف الرحمن نتائجها في واقع الميدان: أمناً وسلاماً وتيسيراً وراحة وصحة وطمأنينة وتثقيفاً وإرشاداً، وسيظل لوزارة الحج دورها المتميز إلى جانب الوزارات في خدمة الحجاج الكرام، داخل المملكة وخارجها انطلاقاً من حرص وزيرها معالي الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي على ترجمة توجيهات ولاة الأمر، بما يمتلكه ويتمتع به من حسٍّ وخبرات إعلامية وثقافية وإدارية وتنظيمية، يحيطها خلق إسلامي ووطني رفيع، وسيظل أبناء هذا الوطن الأوفياء في مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم كراماً مع الضيوف، حريصين على خدمتهم، واضعين نُصب أعينهم أن خدمة الحجيج شرفٌ عظيم وعملٌ جليل، ينبع من إيمان عميق بشرف تحمل هذه المسؤوليات التي خصنا الله بشرف القيام بها.
فلنكن جميعاً على قدر هذا الشرف، وليكن سلوك أبناء هذا الوطن خير ما نستقبل به الضيوف الكرام حفظ الله لنا وطننا وولاة أمرنا، وأمدنا دائماً بعونه وتوفيقه لخدمة أمة الإسلام.
* وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام - سابقاً