قال أبو عبدالرحمن: أصبح العاميُّ القح على بعض الإدراك لما يجري اليوم من تسيس العالم العربي والإسلامي الذين أصبحوا اليوم في عراء بدون غطاء آمِن.. لا يملكون قوَّةً ماديَّة، ولم يترك لهم الاختراق من العالَمِ المسيِّس اجتماعاً ولو على الأمور الجوهرية المشتركة، وتقرَّقتْ بهم الأحزاب والشِّيع؛ ففقدوا قوَّتهم الروحية، وَفُدِحوا بما نجم عن هذا التسييس من ظلمٍ صارخٍ وفجيعةٍ قاتلةٍ للعالَمَيْن العربي والإسلامي؛ وإنما العجب من كبار المثقفين والعلماء في فهم أبعاد هذا التسيُّس دينياً وفكرياً وتاريخياً، وكان كل أولئك عند بعض النخب على قسمين:
القسم الأول مَن يَعُدُّونهم دراويش يعيشون في غير عصرهم، ولا يفقهون شيئاً من الواقع.. وعيبهم الوحيد أنهم فقهوا وَجْهَيْ السياسة الخارجية منذ قَرَّبَتْ وسائل العصر كلَّ بعيد.. ووجها السياسة المذكوران آنفاً هما المنطق الأيديولوجي - والمسيطر منه اليوم الأيديولوجية الدينية الوضعية الميتافيزيقية بالمعنى الخرافي -، والمنطق التحليلي المُمثِّل للأطماع النفعية الدنيوية.. ولا وجه ثالثَ لذينك إلا (التعايش السلمي) ولا وجود لذلك في التَّسْييس العالَمي، وإنما هو ضرورة للتعايش السلمي بين الأقوياء، وكلما ضعفت القوة ضَعُف بقدرها منطق التعايش السلمي.. ومِن عيب من يجعلونهم دراويش أنهم قارؤون لميتافيزيقا العهد القديم الذي يَعِد العالَم آخر الزمان بالويل والثبور وعظائم الأمور، ثم كانوا على وعي بالديانة الوضعية الصهيونية التي جعلت القيام بذلك الإيعاد جزءاً من رسالتها تتعبَّد لله به؛ ففي خلال ثلاثة قرون لا غير غُمِرتْ بفعلهم المعمورةُ بالإلحاد والإباحية والعدمية، وكانوا أخطبوطاً ناشباً في كل بلدان العالم، واخترقوا كل أهل الملل والنحل.. والمثقفون الطيبون يرون ذلك واقعاً، ويقرؤونه مأثوراً، ثم يقولون: (أعطيتم هذه الحفنة ما هو فوق حجمها)؛ فيا ليتهم يُخرجوا لنا من الأعالي أو السطح أو الأعماق قوَّةً تحكم العالَم غيرهم!!.. وهؤلاء الذين يصفونهم بالدراويش أهل خبرةٍ بالأديان، وأن الأمم القوية من ذوي الأديان تتعبَّد لله في سلوكها بالشعار في يومٍ من الأسبوع أحياناً، وتظنُّ أن التسامح الذي خفَّف الله به عنهم الآصار على يهود يعني التسامح بالإباحية، وفي ديننا القطعي ومأثورنا الخبرُ السابقُ بقدم عدائهم وعدوانهم لعيسى بن مريم عليه السلام منذ حاولوا قَتْلَه فرفعه الله إليه، وقِدَمِ عدائهم وعدوانهم لعبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.. وما كان القوم على اهتمامٍ بالأخبار الغيبية في مأثورهم؛ لأن الإلحاد أخذ يزحف زحفاً مروِّعاً منذ قرونهم الوسطى بفعل الذين غيَّبوهم عن دينهم، وأبدعوا لهم البروتستانتية التي رسَّختْ فيهم العقيدة القوية بمعطيات العهد القديم الوضعية عن أخبار آخر الزمان، وأن العمل على تنفيذه بالذكاء السياسي والعنف معاً هو الدين الحق وإن حصلت إباحية السلوك، ومن ههنا تتابعت مراحل تسييس العالَم؛ ومن ههنا أصبح الإسلام عدواً لدوداً ولا سيما أن شرع الله يتدخل في حرية سلوك خلق الله؛ ليحول بينهم وبين عمية الإباحية والإلحاد، وهم اعتادوا قروناً على كل حريات العدمية.. وهؤلاء الذين هم دراويش عندهم كانوا على وعي بالمتغيرات التاريخية منذ القرون الوسطى، وهي متغيِّرات تجذَّر فيها ثارات وذحول تحسد التاريخ الإسلامي وذويه من جهة مع احتقارهم، وتثأر لهوية وَرَقِيَّة لدينٍ غير معمولٍ به، وأمَّةٍ فرَّفتها القوميات ونهض بها العلم الماديُّ ابتلاءً من الله.. وهؤلاء الدراويش على وعي بأنواع متغيِّرات التسييس؛ فكلما صُدِمُوا بمصيبةٍ قاصمة تَحِلُّ على كيانهم استسهلوها ونسوها بحلول مصيبةٍ أخرى من متغيِّرٍ آخرَ، وسأمر إن شاء الله مرَّ الكرام على بعض المتغيِّرات، ولكنني سأخفِّف من حِدَّة التهمة بالدروشة من كلمة هي محل التصديق والاهتمام؛ لأنها صادرة من غيرهم.. قال مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م: «ليست الشيوعية خطراً على أوربة فيما يبدو لي.. إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي؛ فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي؛ فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة؛ فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية(1)؛ فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منه قواعد الحضارة الغربية [بالغين المعجمة]، ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ(2).. وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلمة؛ فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة.. إن العالم الإسلامي عملاق مقيَّد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً؛ فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن، وحرية أوفر؛ فلنعطِ هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقوِّ في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني حتى لا ينهض(3)؛ فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف بإبقاء المسلم متخلِّفاً، وتحرَّر العملاق من قيود جهله، وعقدة الشعور بعجزه: فقد بُؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم»(4).. لقد أسلفتُ كثيراً أن عداء من لا دين له، وعداء أهل الكتاب لإسلام من أهمِّ عوامله أن دين الله يقيِّد حريَّة سلوك الإباحية والعدمية، وهم نشأوا على حرية السلوك مع إيمان بالغيبيات في مأثورهم.. هذا إضافة إلى هموم تاريخية، وسيادة إسلامية لا ترضى الظلم ولا الفساد في الأرض؛ ولهذا - بعامل القوة المادية الجبارة - اخترقوا المسلمين بالأغيار المتأسلمين من إفراز جمعيات سرية والمرتزقين والملمَّعين؛ وذلك أحد عناصر آخر ما نعيشه من المتغيِّرات، وهو تسييس العالَم العربي والإسلامي من قِبل أبناء جلدته، وذلك بتسييس أداة الاتصال بين المثقفين كِتاباً وصحافة، وهذا هو العنصر في زمننا الآنيِّ غير القار.. وهو عنصر فعَّال مشهود يتعامل مع إنتاجه المثقفون الطيبون ولا يهتمون بمسوِّغات نشأته؛ وذلك هو تأسلم التثقيف الجنوبي، وهو السائد ثقافياً في الساحة العربية والإسلامية، وهو من أسباب فرقة ذوي الحريق العربي، وقد تناوله تاريخياً على استحياء (فرانسوا بورجا) في كتابه: (الإسلام السياسي-صوت الجنوب) بمراجعة وتقديم نصر حامد أبو زيد؛ ولاستغلال حفنة من ذوي التدبير السيئ في حركة التأسلم السياسي رأينا أن تأسلم التثقيف الجنوبي عدوان تضليلي ضد الإسلام بلا استثناء، ويصدق على الحبور بهذا العدوان التعميمي حبورُ أبوزيد(5) بتناغمِ الإعلام الغربي (بالغين المعجمة) خاصة الفرنسي مع الإعلام العربي - بالعين المهملة -؛ وبهذا يكون الكِتابُ الحداثيُّ هو هَمَّ القارئِ العربي خاصة في المشرق [ليلتحق بالتثقيف الجنوبي]، وليرفع شعار الإعلام الفرنسي بالتعميم الذي ذكرته، وهو أن الإسلام عفريت أو شيطان يهدد التقدم والحضارة(6)، وهذا من أدبيات الحريق العربي قبل حادثة 11 سبتمبر بأكثر من عَقْد(7).. والمؤلف لا يُروِّع القارئ المسلم بتجنِّيات مَن سبق مِن المستشرقين الأغيار؛ وإنما يصطفي الملمَّعين من أبناء جلدتنا بمراوغة ذكية.. قال: «ومما لا شك فيه أن فهم الإسلام السياسي يستدعي قبل كل شيئ إدراك المزالق المختلفة الكامنة في طيات منهج المستشرقين(8)، هذا إذا لم نستطع تجنبها كلية؛ فخلال العقد الماضي قدَّم عدد كبير من المفكرين - ابتداء من إدوارد سعيد حتى برنارد لويس، ومن حسن حنفي حتى فؤاد زكريا - دراساتٍ قيمة في هذا المجال، لكن هذا لا يمنع الشعور بالحيرة أمام صعوبة توقُّع تعدد الاتجاهات التي ستطرأ على المد الإسلامي في المستقبل»(9).. والاستقراء في هذا الكتاب دراسة ميدانية برعاية وإشراف (اندريه ريمون) الذي قم بإنشاء معهد الأبحاث والدراسات عن العالم العربي والإسلامي في 1986م، ويديره ميشيل كامو منذ 1989م.. ويعتبر هذا المعهد من أهم مراكز الأبحاث الفرنسية التي تقدم دراسات عن العالمين العربي والإسلامي(10).. ومن المصارحات في هذا الكتاب (وهي على استحياء كما أسلفت) قوله: «وفي الفترة(11) بين عام 1960 وعام 1980م انتشت فرنسا بنجاح سياسة تثقيف الصفوة العربية إلى حد أنها ظلت تراهن على البعد الاقتصادي فقط فيما يخص علاقتها بالجنوب، وأهملت إلى حدٍّ كبير - في المجال الأكاديمي والسياسي والصحفي - ضرورة إتاحة الفرصة للقرَّاء الفرنسيين لمتابعة الواقع الثقافي في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط؛ فأصبح عدد القراء الفرنسيين القادرين على فهم الثقافة العربية وتطورها عدداً محدوداً للغاية»(12).. وقال: «يُفَضِّل الغرب (نظراً لقلقه): أن يتوجه بالخطاب إلى أشخاص يختارهم من الجنوب يُشترط فيهم الحديث معهم بلهجة مُريحة هادئة، ومما هو جدير بالاهتمام أن الغرب يحاول أن يجعل الأخ يذمُّ أخاه(13)؛ لأن ذلك قد يسمح لنا فيما بعد أن نكون - كما حدث في فترات سابقة - القوة المقبولة؛ لأن القيام بمثل هذا الدور يطمئننا.. وإلى جانب ذلك توجد عقبة أخرى وهي ليست أقل أهمية، فقد كان الذين يقومون في الغالب بدور العين التي يرى الغرب من خلالها ظاهرة الإسلام السياسي هم هؤلاء الذين تهدد هذه الظاهرة معتقداتهم(14)، بل وتهدد أحياناً مكانتهم(15)؛ إذ يميل الأشخاص - الذين يرتبط مصيرهم إلى حد ما ببقاء الأنظمة التي ظهرت عقب حركات الاستقلال(16) - في تفسيرهم للواقع إلى تجاهل كل ما أصبح يتنافى مع مصالحهم في المناخ السياسي، ويتم هذا التجاهل عمداً أحياناً ودون عمد أحياناً أخرى(17).. في مثل هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تُفضِّل وسائل الإعلام - عندما حاولتْ فهم اقتحام الإسلام السياسي للساحة التونسية - توجيهَ أسئلتها إلى سفير بورقيبة بدلاً من توجيهها إلى المتحدثين باسم الحركة التي كان يحاول هذا الرئيس (الذي أصبح مستبداً) أن يقضي عليها(18).. وفي معظم الأحيان نطلب من الأشخاص الذين يمسكون زمام السلطة مساعدتنا في فهم المنطق الذي ينطلق منه تحرك هؤلاء الذين يهددونهم(19).. في هذا المناخ السياسي الفرنسي أثار استقبال الخطاب الإسلامي كذلك نفس الإجماع ذي العواقب الوخيمة الذي أثاره ظهور القوميات(20).. ومن المفارقات أن عدداً صغيراً من الأشخاص كان يُعبِّر عن فهملظهور الحركات القومية، وما زال مقتنعاً حتى الآن (نظراً لمعرفته للصفوة الحاكمة) أن هذه الصفوة ستكون دائماً الوحيدة القادرة على حكم العالم العربي بصفة شرعية(21)، وفيما يتعلق بالإسلام والعالم الثالث والعرب فقد وجد اليمين فيما يثيره الإسلام السياسي من رعب لدى الغرب فرصةً سانحة لتدعيم بعض أوجه اليقين المتجذِّرة لديه(22)، وبينما كان اليسار [يعني المناوئ للغرب بالغين المعجمة، وحيله ضعيفة بعد سقوط الماركسية] يُظهر استعداداً أكبر؛ ليتفهم نشأة هذا الصوت الآخر في الجنوب، إلا أنه يجد حالياً - نظراً لإفراطه في التمسك بضرورة العلمانية - صعوبةً شديدة في استيعاب أن توضع مثل هذه المبادئ موضع التساؤل، وأن يُوجد من لا يعترف بعالمية الفكر العلماني(23).. هذا بالإضافة إلى أن اليسار لا يستسيغ أن يتجرَّأ أحد على كتابة التاريخ بمفردات تختلف عن المفردات التي خلقها(24).. ولا يجب أن يغيب عن ذهننا أن بُعداً من الأبعاد المهمة للإسلام السياسي(25) هو الحرص على أن تتمتع لغته بمفردات تختلف جذرياً عن مفردات الغرب (وهذا لا يعني أن القيم الغربية برمتها ستكون موضع رفض من طرف الإسلام السياسي)؛ وبهذه الطريقة تتسع مساحة سوء الفهم، وعندما نحاول تضييق نطاقها فإن المزايدات النابعة من جميع الأصوات المتشدِّدة سواء في الجنوب أو في الشمال تتطوع بتوسيعها(26).. ومع ذلك قد تنطلق من بوتقة الإسلام السياسي (عندما يتجاوز المرحلة التي تُعبِّر عن الإفراط في رد الفعل تجاه الشمال)(27) العناصر اللازمة لتحقيق توازن اجتماعي وثقافي يفتقد إليه الجنوب منذ مدة طويلة؛ فقد انتقل دون مرحلة انتقالية من فترات السبات العميق إلى عواصف الاستعمار، وقد يمكن - تحت راية التشدُّد الإسلامي(28) - صياغة المكونات الأساسية الضرورية لرؤية جديدة، رؤية تتجاوز مرحلة العنف الاستعماري كما تتجاوز مرحلة العنف القومي المضاد الذي مارسته نخبة التحديث الحاكمة بعد الاستقلال»(29).. إن منظَّمة التثقيف الجنوبي الفرنسي (والشرقي بالتبع من غير إعلان) هي صاحبة القرار في تحديد مفهوم المعاصرة في الكتاب والمقالة، وبحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه اِلْتحم الحواة بهذه المسيرة الباطشة.. منهم مُرْتزق يدري، ومنهم مُلَمَّع لا يدري.. والتثقيف الجنوبي أصبح اليوم هرماً أطول من جبال الهملايا، وشكله الهرمي كثير الفروع جداً.. ومصادرُ ذويه فيوضٌ من العمل الخواجي وصَّلوه إلينا بلترجمة الحرفية لا المعنوية؛ فَبَعُدْنا عن الإيقاع اللذيذ لِفُصْحَانا أميالاً، وصارت لغة الصحافة اليوم مسخاً غير مبين، وفيما مضى وفيما يُستأنف من تحشياتي ترون العجب العجاب.. إن رموز التثقيف الجنوبي اليوم هم مدرسة المعاصرة الإمَّعية في بلاد العرب والمسلمن، ومن أقطابهم محمد أركون، وهو ذو علم وذكاء خارق؛ فاستحقَّ التلميع عن جدارة، وربما كان اتجاهه الفكري عن قناعة وانبهار بالرموز العلمية والفكرية التي عايشها في فرنسا، وكان الحوار معه في حياته غير مثمر؛ لأن ذكاءه الخارق، وعلمه الحقيقي، وعلمه الاحتوائي: كل ذلك مَكَّن له الحذق الإبليسي للمغالطة التي يُسَبِّح بها ذوو الأنوثة العلمية والفكرية من الحواة، وإن كان قَشْعُها لدى الموهوبين أسْهلَ من نبش فقْعةِ القاع بإبهام الرجل.. وله جُهْدٌ في فَصْلِ الوحي عن الوجدان، وجَحْدِ القدسية لما صح منه دلالة وثبوتاً.. وله قطعيَّاتٌ مبنيَّة على الافتراض الكاذب: افتراض أن القرآن خرافة أسطورية وحكاية شعبية، (وافتراضُ الباطل لا يجوز أن يُبنى عليه أحكام).. ثم بعد هذا الاعتداء الافتراضي الكاذب أوجب تأويل معاني القرآن بدلالات حادثة بعد دلالة النص وقت نزوله: من دلالة بنيوية مختلفٍ فيها، مع افتراء عليها بدلالات لا يقبلها الصحيح من علوم الألسنية.. وخرج من حزام لباسه الإفرنجي سعيد الشطيُّ والمنصف بن عبدالجليل في بادرةٍ مؤلمة ذكرتها في كتابي - وهو تحت إجراءات الطبع - (الألوهيَّة الشعبيَّة، والألوهيَّة المدنيَّة).
- قال أبو عبدالرحمن: وأما رموز الثقافة: (ومنهم الصادق مع نفسه؛ لكثافة التضليل) فلهم رؤيتهم الخاصة عن التسييس العالمي الذي ضحيته اليوم في بعض آسيا وإفريقيا اللتين هما الثِّقَل الآن للوجود الإسلامي والعربي، وهي رؤية تقوم على حسن الظن، وأن باعثها ضرورة التعايش السلمي ابتداء بالاعتراف بالآخر الذي هو أحد مفردات المجمل الديمقراطي من غير نظر إلى خصوصة الحرية المشروطة التي يكون مضمونها معيارياً؛ فتكون النتيجة استدماج العقلية الاقتصادية والهُوِيَّة الثقافية بالفعل الديمقراطي، وتتحقق الشروط اللازمة لحرية الفرد الذي يسمونه (ذاتاً).. ومفهوم الاعتراف بالآخر لا يقوم على تكاسل قوة من القُوى (الفاعلة بعقليتها الجامعة) في تحقيق مفهوم الاعتراف؛ مما ينتج عنه إرغام القوى الأخرى على الدفاع عن هويتها المخصوصة.. وهذا السياق لا يعني تنازل الجماعة عن هويتهم؛ وإنما يعني اعترافهم بالآخر لا غير من أجل التعايش السلمي.. وَشَرَحَ مؤلِّفو النظام السياسي العربي عملية التسييس بقولهم: ((لذا تمت عملية التحديث الغربية أحياناً كثيرة بصورة لا ديمقراطية؛ فصانعو الجمهوريات والاقتصاد الحديث وضعوا النخبة - المؤلفة من الذكور البالغين المتعلمين المالكين - في وجه الشعب المؤلف من عديد من الجماعات الدنيا المنغلقة جميعها على اللاعقلي.. والذين نَصبوا أنفسهم حَمَلَةً لألوية الأنوار (بالحرف المكبَّر).. كانوا قد اطُّرحوا في العتمة السياسية، وفي وضع المواطنين الخاملين المحرومين من حق التصويت.. [أي] جميع الذين بدوا في نظرهم عاجزين عن حكم أنفسهم بأنفسهم؛ لأنهم عبيد الحاجة، وعبيد طائفتهم وأهوائهم.. أما الديمقراطية فهي بالعكس لا تكون ممكنة إلا إذا رأى كل واحد في الآخر كما في نفسه بالذات توفيقاً بين الجامعية والخصوصية؛ فإذا تحدَّد كل واحد بانتمائه إلى طائفة فإن مشكلة الديمقراطية لا تعود قابلة حتى لمجرَّد الطرح؛ لأن المجتمع يتناثر عندئذ لعدد معيَّن من الطوائف الغريبة بعضها على بعض.. أما إذا كنا نُحدِّد أنفسنا جميعاً باعتمادنا فكراً واحداً وتقنيات عقلية واحدة؛ فإن القرارات السياسية ينبغي أن تُتَّخذ عندئذ باسم عدد من المعايير العقلية، باسم الحقيقة والفعالية.. وهذا ما حلم به التروتسكيون(30)، وظلوا حتى المدة الأخيرة وحَلَمَ به مَن قبلهم الفوضيون مِمَّن كانوا عقلانيين متطرفين، وظنُّوا أن بوسع آلةٍ ضخمة (أو خطَّة مركزية، أو ناظوممتطور) أن يبلور أشدَّ القرارات عقلاً، ويُلغي علاقات السلطة؛ مما أفسح المجال أمام بيروقراطية كلية القدرة عوضاً عن أن يُفسح المجال أمام الديمقراطية.. أما هذه فتفترض بي بالعكس: أنْ أعترف بخصوصيَّتي، وبخصوصيَّة ثقافتي، ولغتي، وأذواقي، ومحرَّماتي في الوقت الذي أتبنَّى [الصواب: التي تتبنَّى] سلوكات تنتمي إلى العقلية الوسائلية، وأعترف بالثنائية نفسها وبجهد الاستدماج نفسه عند جميع الآخرين))(31).
- قال أبو عبدالرحمن: (الاعتراف بالآخر) مفردتان ورابطةٌ من صميم اللغة العربية، ولكنها بمضمونها في مثل هذا السياق طارئة تعني مضموناً تعلَّمناه ممن رسَّخوا في عقولنا مفردات أخرى من أجل (فلسفة التسييس).. و(الآخر) متعدِّد، وأكتفي ههنا بالآخر الذي ملك تسييسنا بالحيلة وبالقهر اللاديمقراطي؛ فهذا الآخر - ولله الحمد والمنة الذي لا يُحمد أيضاً على مكروه سواه -: لا قدرة لنا على عدم الاعتراف به؛ فنحن معترفون معترفون معترفون بجرِّ الخطام الذي يتجاوز العِرْنين، وبجرِّ الأذن من موضع الخِمْخمة لدى الجنس اللطيف.. سبحان الله!!.. ألنا حَوْل أو طَوْل في عدم الاعتراف بحبيبنا، وتقبيل حُمْرة وجنته من آثار (الكونياك)، وهو الذي يغطِّي كلَّ أمرٍ جامعٍ لعالَمَينا العربي والإسلامي، ويقتلنا كل يوم (بعد سخرية غزلان الصحراء عند ابتلاع العراق) بسخرية (الربيع العربي) الذي ترونه اليوم: دماءً سائلة، وكوادر مُعَطَّلة، وأراضيَ محترقة، وتجزئةً بدأت إكراهاً بالسُّودان وهي تزحف بأناة مدروسة، وفواتير ديون باهظة، ونهباً للموارد، وتصديراً للمنتجات إكراهاً بأغلى الأثمان ولغير ضرورة، وقهراً لإرادتنا في كل ما يحقُّ لنا أن نملكه بكرامة الإنسانية من قراراتنا التعليمية والدينية والاقتصادية.. إلخ.. إلخ، ثم كان إحداثُ الفراغ الهائل بشعوب بلا حكومات، وحكومات بشعوب تُقتَّل وتُباد؟؟؟!!!.. ولكم العبرة اليوم مما يجري في ليبيا كلما بدت ظواهر الانفراج.. كيف هذا يا عباد الله؟.. أيعقل أن لا نعترف بهؤلاء الأخيار المشرقي الوجوه، ومَن نحن حتى لا نعترف بهم؟!.. حياكم الله وبيَّاكم يا أبناء عمِّ سام وحام، ويا أبناء عمنا سام حللتم أهلاً، ونزلتم مُلْكاً أريضاً:
يا ضيفنا لو زرتنا لَـوَجَـدْتُـنَـا
نحن الضيوفَ وأنت ربُّ المنزل
وإنما على الحُواة أن يشفعوا لنا لدى الآخر لعله يعترف بنا.
- قال أبو عبدالرحمن: وههنا فئة ثالثة من حملة العلم والقلم الذين نتحرَّى وعيهم بالمتغيِّرات في بلادنا العربية والإسلامية، وهم حَشْد كبير من العلماء بدين ربهم عن إيمان متين، وعندهم من آفات رجال العلم: داءُ التقليد المُمِيت، وتخلُّفُ البيانِ المنظَّم، والإيقاع الأخَّاذ، والوعي بالمتغيِّرات المعاصرة، وأهلية الفكر اللمَّاح المُوَصِّل بأسْرِه وبيانه، والفكر المُحاكِم المفضي إلى يقين أو رجحان فيما يرفضه من طرحٍ تضليلي.. ولكن الميزة أنهم صامدون تعبُّداً لربهم، مستريحة قلوبهم بالضروري المشترك المفهوم من مُسلَّمات دينهم.. وجمهرتهم من كُبريات الأسر التي كانت في زمانٍ قضى ومضى بسلام تغضب لهم غضباً لله، وتكون لهم ردءاً إذا قلَّ المناصر؛ لأن كل الأسر مجتمعة على هُوِيَّتها، حريصة على أفرادها: تَحُثُّ العالِم على أداء واجبه، وتقويم المعوَجِّ بوازع الحياء الاجتماعي، وتُعين دولتها المسلمة على صلاح المجتمع.. وفي الجانب الرابع مثقفون ليسوا ذوي تخصُّص في الشريعة، ولكنْ لديهم الترف الكمالي كبعض فروع الحداثة الفكرية والأدبية.. وبعض بلداننا العربية وطلائعنا (حقيقةً، أو تلميعاً) في هذا الظرف الزمني (وأقولها بكل مرارة) ليست بلادَ رجالِ دِرْبةٍ فكرية، ومعاناة فلسفية مستقلَّة تُعرف بها بصماتُهم؛ وإنما هم جمهرةً - ولو أنصفتُ لقلتُ: كلهم - حواةٌ ليست لهم مدرسة أدبية ولا فكرية ولا فلسفية؛ وإنما عندهم أو عند جمهورهم احتواءٌ لكل ما هو نظريٌّ، ولذيول وإمداد كل ما هو تراثي، وتقليد ذليلٌ لعددٍ من الأغيار تهزأ بنا طروحاتهم.. إنه تقليد ذليل يجرح كبرياءَ العقل الأدبي المسلم، ويسحب البساط من تحته إن أراد حرية الانتماء والتنمية بأداته القلمية، أو أدواته الفاعلة إن كان من رجال المهنة العملية.. ثم تشوَّف بعض حملة القلم للتلميع الخاسر، وتشَوَّفوا لاهتمام خواجيٍّ منتدَب للتطلُّع؛ ليرصد الحَراك بمنطق التسييس؛ فيحلِّي كتابَه بأسماء وصور مغمورين ملمَّعين ذوي هُزال في العلم والفكر والحداثة، ثم دفعهم حبُّ التلميع وربما الارتزاق إلى الارتماء في أحضان جماعة المنظَّمة الصليبية الماسونية (التثقيف الفرنسي للجنوب العربي) الذين مدُّوا جسور التلاحم مع أمثالهم في المشرق.. وهذه المؤسسة هي ذات الوجود الفعَّال اليوم التي تتقن المغالطة بمُسُوحٍ علمية زائفة، وتُعيد إجهاضاتٍ في البلاد العربية والإسلامية بصقت عليها الأمة؛ فحاولتعادتَها بصياغة جديدة تُهمل رموزَ الرِّدة العربية، وتستبقي عَفَنَهم، وتُفكْرن له بطفحٍ من الإحالة إلى المصادر الخواجية؛ إحساساً بمركَّب النقص لدى أمتنا من جهة، وللتَّمظْهر العلمي من جهة؛ فأما العفن القديم الذي يُفْرِغ بالطرح القوميِّ العربيَّ [مفعول يُفرغ] من شرط وجوده وضرورة كيانه فقد خبَّ فيه ووضع ردحاً من الزمن كُثُر تناولتُهم في غير هذا المقام؛ فإلى لقاءٍ إن شاء الله، والله المستعان وعليه الاتكال.
***
(1) قال أبو عبدالرحمن: هذا من أجل حماية الإباحية التي استمرأها السلوك.
(2) قال أبو عبدالرحمن: ولهذا كان الحظْر الإجباري على العالم النامي، كي لا يكون ذا علم يملك به القوة ولو دفاعاً، وبهذا كانت سياسة تهجير أو تدمير العقول العلمية كما حدث في العراق بعد ابتلاعه.
(3) قال أبو عبدالرحمن: وبهذا كان حظُّ مَن تغربوا عن بلادهم في العالَمين الغربيين التفوُّق فيما يُملى عليهم من التشكيك في الصحيح من المأثور، والاتخام بأدبيات الفكر النظري وحداثيات المعارف في الآداب واللغات وكهانات التاريخ. إلخ.
(4) جند الله، ص22 عن قادة الغرب يقولون/ ص36 - 38.. والصواب لغة: (بصفته قائداً للعالم)، لأن المراد التوصيف المطابق لا التشبيه المقارب.. قال أبو عبدالرحمن: ولكن بعض أبناء جلدتنا يرون الخوف الخواجي من الإسلام خرافة، والواقع حقيقة أن قدرة المسلم على الدفاع عن نفسه ضد الظلم والإكراه هو الخرافة الآن ما ظل هذا هو واقعنا.
(5) قال أبو عبدالرحمن: الضم على الحكاية.
(6) الإسلام السياسي - صوت الجنوب (قراءة جديدة للحركة الإسلامية في شمال إفريقيا) بترجمة الدكتور لورين فوزي زكري - دار العالم الثالث ص 7.
(7) انظر المصدر السابق ص 17.
(8) قال أبو عبدالرحمن: لأنه فقد جاذبيته، وبان تعرِّيه من الصدق بالدراسات العلمية الفكرية من الغيورين؛ فتلك مرحلة تسييس فقدت فعاليتها.
(9) المصدر السابق ص 19.. قال أبو عبدالرحمن: هذه نبوءة لا بد منها، ولكن المدَّ الإسلامي العاقل ذا العبودية الصادقة لربه لم تظهر بوادره بعد.
(10) المصدر السابق ص 20.
(11) قال أبو عبدالرحمن: الفترة ليست جزءاً من الزمن، وإنما هي سكون شيئ ما في جزء من الزمن كسكون الوحي؛ فالصواب مدة أو حقبة.
(12) المصدر السابق ص 23.
(13) قال أبو عبدالرحمن: هذا هو الواقع في الصراعات القلمية على لا شيئ، أو على كل ما هو طَرْحٌ تضليلي نظري.
(14) قال أبو عبدالرحمن: هم عملياً زعامات انتهى دورها في إكراه الأمة على أيديولوجيات معادية للكيان، وكان الإسلام السياسي ــ وهو غير ما تطمح الأمة الإسلامية العاقلة إليه ــ ردَّ فعلٍ عنيفٍ لإكراه تلك الزعامات التي انتهى دورها واحترقت أوراقها.
(15) قال أبو عبدالرحمن: لأنهم المثقفون المدلَّلون لتلك الزعامات التي رضعوا عنها وعن الأغيار أيديولوجيَّتهم.
(16) قال أبو عبدالرحمن: وهي البديل للاستعمار المباشر.
(17) قال أبو عبدالرحمن: هذا هو سر العداء للقيادات التاريخية ذات الأنظمة الكيانية المستقرَّة.
(18) قال أبو عبدالرحمن: القضاء عليها مطلب ضروري، ولكن العقل السياسي يُعَدِّل في المنهج وفي فرض الزعامات؛ حتى يتحقَّق ما يُسمَّى عرفاً (احتراقَ أوراق).
(19) قال أبو عبدالرحمن: هذه فضيحة غير مستورة عن دور بعض الزعامات المفروضة على إرادة الأمة.
(20) قال أبو عبدالرحمن: لهم الحق في ذلك؛ لأن ذلك الظهور سلخ القومية من هويتها الدينية والتاريخية؛ فكان الشعار قومياً، والمضمون عدائياً.
(21) قال أبو عبدالرحمن: على الرغم من انتفاع التسييس الغربي بالمنطق القومي إلا أنه أصبح ورقة خاسرة لأمرين: أولهما أن المطلب الغربي [بالغين المعجمة] أعنف من ذلك، وثانيهما أن القومية المفرَغة قد يكون خلالها حصول الفِكْرة بعد السَّكْرة؛ فتحنُّ لقوميتها بشرطها التاريخي أو بشرطها الديني والتاريخي معاً.
(22) قال أبو عبدالرحمن: الإسلام السياسي كما أسلفتُ رِدَّة فعل من جَرَّاء إكراه الغرب [بالغين المعجمة]، وانتهاكاته غير المحدودة؛ فابتدع أهل التسييس عنصراً آخر مُخترِفاً، ومنطقه ((تدعيم أوجه اليقين.. إلخ))، ولكن برؤية إسلامية أخرى من أدبياتها حوار الحضارات والاعتراف بالآخر.. أي بنفوذ الآخر واستبداده في كل أوجه كياننا.
(23) قال أبو عبدالرحمن: وبهذا يكون اليسار نصيراً آخر للتثقيف الجنوبي؛ لأن العلمنة والعلمانية قاسم مشترك بين اليمين واليسار.. إلا أنه عند اليمين مرحلة مؤقتة تنتهي بالدولة العالمية الواحدة.
(24) قال أبو عبدالرحمن: ألا ما أكثر هذه المفردات في كتب التثقيف الجنوبي، وعملاقهم محمد أركون، ولا سيما جهوده في دعوى (أسطورية القرآن) في بحثه عن العجيب الخلاب؛ ليفسِّر بافتراءات على البنيوية، وبمنابع خواجية سأسرد إن شاء الله بعضها لا تمت إلى لغة القرآن الكريم بسبب.
(25) قال أبو عبدالرحمن: هذه عودة للتعامل مع الإسلام السياسي.
(26) قال أبو عبدالرحمن: مقولة (فَرِّق تَسُدْ) تشمل فرقة أهل القلم بلغوٍ يدَّعي العلم والفكر مع البعد عن التخصُّص.
(27) قال أبو عبدالرحمن: لا ريب أن رد الفعل الإسلامي السياسي في الشرق الإسلامي أعنف، واتجاه التثقيف الجنوبي ممتدٌّ للشرق العربي بفعل المثقفين الجنوبيين أنفسهم؛ ولما كان عِبْءُ الإسلام السياسي إنما هو في الأغلب والأدهى على المسلمين أنفسهم دَعَّم التسييسُ حيلته باختراق أمتنا بالأغيار، ودعموا عملهم الإرهابي بمتأسلمين غرباء عن الإسلام.
(28) قال أبو عبدالرحمن: الهم الإسلامي متشدداً وغير متشدد مُحْبَط في الجنوب.
(29) الإسلام السياسي ص 23 - 25.. قال أبو عبدالرحمن: هذا أحد دعاوَى الهيمنة الاستعمارية المباشرة باسم الربيع العربي.
(30) التروتسكية Trotskyism هي تيار في النظرية الشيوعية وُضِع على يد ليون تروتسكي، وكان الاختلاف الرئيسي بين تروتسكي وجوزيف ستالين حول ثلاث نقاط رئيسية هي: أن التروتسكية ترى أن الثورة الاشتراكية يجب أن تكون أممية (لابد أن تنتقل للعالم كافة، وليس في بلد واحد)، وقد طرحت هذه الفكرة كشكل مثالي مناقض لأفكار أخرى منها عدم [هذه هي النقطة الثانية] مراعاة التطور التاريخي لدول دون أخرى، وأن الطبقة الوحيدة القادرة علي قيادة الثورة الاشتراكية هي العمال بتحالف مع الفلاحين وليس كما طرح ستالين من خلال نظرية الجبهة الشعبية.. بالإضافة إلى أن تروتسكي رأى أن قيام الثورة الاشتراكية لا يتطلب أن تصل الرأسمالية لأعلى مراحل تطورها [هذه هي النقطة الثالثة].. أي الإمبريالية، بل طوَّر مفهوماً خاصاً أسماه الثورة الدائمة.. أي أن تكون الثورة الديمقراطية اشتراكية في نفس الآن، وتعتبر التروتسكية حركة مشبوهة من حيث تحالفاتها واعترافها بكيان إسرائيل بل وبحقها في الوجود.. شارك في تطوير التروتسكية كل من كريس هارمن وجون مولينو وإسحق دويتشر وتيد غرانت.. تنتظم الحركة التروتسكية في إطار الأممية الرابعة، وتنتشر الحركة التروتسكية التي عانت من القمع والتضييق إبَّان الاتحاد السوفياتي ومن طرف الأحزاب الشيوعية المحلية الآن في بلدان عربية كلبنان والمغرب والجزائر [موسوعة المعرفة الإلكترونية].
(31) النظام السياسي العربي والديمقراطية ص 181 - 182 بإعداد أحمد عبيدات وزملائه - المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت - طبعتهم الأولى عام 2001م.