وجدت نفسها في مدخل قاعة كبيرة، حيث صفت بعناية باقة من الحلويات والمشروبات المختلفة الألوان والأشكال، وقبل أن تدلف إلى الداخل همس في أذنها شخص كان يحرص المدخل "إنه المجلس الإداري… الوزير هنا.. إنه يتحدث" جلست على أول كرسي فارغ، تصفحت الوجوه الأنيقة، لم تفهم اللغة التي كان يتحدث بها الوزير،لقد كانت لغة أجنية، حاولت أن تركز أكثر على كلماته التي كانت تخرج من فمه بأناقة، تفرست في الوجه الذي كان يبتسم مزهواً على إيقاع كلمات إنه مدير المستشفى…
زاد وجه المدير إشراقاً عندما نظر إليه الوزير وهو يقول "نهنئؤك على مجهوداتك التي أدت إلى ملء الصندوق.. لقد ارتفعت مداخيلنا بفضل مجهوداتك.." اهتزت القاعة بالتصفيق لهذا الإنجاز العظيم، بينما شعرت برعدة خفيفة تسري في أوصالها؛ فجأة بدا لها كل من في القاعة شخصيات خارجة من فيلم دراكولا.
يا إلهي، لقد دخلت دون قصد إلى اجتماع سري لمصاصي الدماء.. بلعت ريقها وهي تتذكر الدماء النتنة في تلك القاعة الباردة المترامية الأطراف، قبل أن تتحول بذاكرتها إلى ذلك الطابور الطويل في دهاليز المستشفى المظلمة؛ تذكرت بوضوح أكثر وجه ذلك الشاب الذي كان يضغط على جرح غائر في خده الأيسر بفوطة امتلأت بدماء واصلت تدفقها حتى بدأت تقطر من مرفق يده على الأرض، وهو ينتظر دوره ليسدد الفاتورة قبل أن يتلقى العلاج، كان الجابي أكثر رحمة من الطبيب، فطلب من الواقفين في الطابور أن يدعوه يتقدم أولاً ليسدد ثمن الخيط والخياط قبل أن تنزف كل دمائه عبر وجهه..
سمعت الأنين الممتزج بروائح لا يمكن أن تكون إلا في هذا المكان.. تذكرت المرأة العجوز التي كانت ترجو ذلك الرجل السمين المتدثر بوزرة بيضاء طويلة، وتقول له (إنني مجرد متسولة)، فيجيبها وهو يمط شفتيه.. ما عندي ما ندير ليك.. خلصي على الأقل ستين درهم ديال...."
تذكرت أيضاً وجه السعدية الممتقع، عندما توجهت إلى بوابة المستشفى لتبشر زوجها أنه يستطيع الآن الدخول عند الطبيب بعد أن قضت ساعات طويلة تتنقل بين المكاتب وتسدد الفواتير بينما كان ينتظر عودتها بألم لم يمهله فدخل في غيبوبة لم ير بعدها وجه السعدية وأطفالها الصغار…
أخرجتها من سيل الذكريات تصفيقات ملأت القاعة مجدداً بعد أن أنهى الوزير كلامه..
نظرت إلى ابتسامته فتملكها الرعب عندما لاحظت وجود نابين حادين يطلان من فمه، حولت نظرها بحذر إلى المدير فوجدت لديه نفس الابتسامة، حركت رأسها الصغير يميناً ويساراً.. لقد كانوا كلهم مصاصي دماء.. تسارعت نبضات قلبها.. بدأت تتململ في كرسيها، تصنعت سعالاً قوياً لتجد مبرراً معقولاً للهروب.. مدت إليها يد قنينة ماء معدني.. اعتذرت.. سحبت كرسيها وحرصت أن تضع يدها على فمها لكي لا يلاحظ أحد أنها ليست منهم.. خرجت بسرعة، ما إن وصلت إلى الباب حتى جرت بأقصى سرعتها، أوقفتها صديقتها في الممر الطويل، وقبل أن ترد عليها التحية… إنها إيضا منهم، يبرز نابان من فكها العلوي.. تركتها وهربت الى المرحاض، أغلقت الباب جيداً.. نظرت إلى المرآة، أرعبها وجهها القبيح، إنها تمتلك نفس الابتسامة.. تراجعت إلى الخلف وهي تصرخ.. سقطت وارتطم رأسها بالأرض بقوة.. استيقظت مذعورة.. لقد كان مجرد كابوس.