الجزيرة - خاص
وضعت حكومة خادم الحرمين الشريفين - وفقها الله - مجموعة من الأنظمة واللوائح للتيسير على ضيوف الرحمن في أداء المناسك بكل أمان وطمأنينة، ومن ذلك تنظيم الحج الداخلي باشتراط الحصول على تصريح لأداء المناسك من الجهات المختصة. وقد أكد العلماء وطلبة العلم على هذا الشرط، والدعوة إلى الالتزام بما صدر عن ولي الأمر في هذا الشأن، وأن مخالفة ذلك حرام، بيد أننا نلاحظ أن هناك فئاماً من الناس لا زالت نظرتهم قاصرة عن ثمار هذا التنظيم على ضيوف الرحمن، حيث لا يلتزمون به مما يؤثر عليهم من حيث مشقة السفر إلى المناطق المقدسة وما يتبع ذلك من تعطيل لأعمال الأجهزة المعنية في المنافذ عند التدقيق على الداخلين إلى مكة المكرمة ومنطقة المشاعر المقدسة، مختصان في العلوم الشرعية يسلطون الضوء على الفوائد الكبيرة لهذا التنظيم.
لعذر مقبول
يقول د. عمر بن عبدالله العمر رئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة القصيم: من أهم ما يميز الإسلام أنه بنى جميع أركانه وواجباته على وظيفة التنظيم الدقيق، ولا يسمح بتجاوز هذا التنظيم إلا لعذر مقبول شرعاً، فقد حدد الإسلام أوقاتاً للصلاة كما حدد لها واجبات وسنناً معينة لا يجوز للمسلم تجاوزها أو تغييرها بدون سبب، وهذا التنظيم الدقيق ينطبق أيضاً على كافة أركان الإسلام من زكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام، والإسلام عرف التنظيم في جميع أركانه وواجباته قبل أن يعرفها الغرب أو الشرق وأكد عليها وتمسك بها كل من عرف غايات الإسلام الحقيقية. إن بعد الزمان وتقارب الأوطان وكثرة السكان أوجدت مستجدات في مجالات العبادة تحتاج إلى تنظيم جديد لكي تحقق الغاية التي أوجدت من أجلها، ولحداثة هذه المستجدات ولعدم وجود دليل نصي يعني بتنظيم مثل هذه المستجدات، كان لزاماً على السياسة الشرعية أن تضع قوانين جديدة تنظم بعض الشعائر حتى يمكن أن تؤدي دورها بشكل سليم وتحقق الغاية التي أوجدت من أجلها.
وأضاف قائلاً: إن من يفهم التشريع الإسلامي يدرك أن قرارات السياسة الشرعية المبنية على تحقيق مصلحة أو درء مفسدة واجب الالتزام بها ولا يجوز تجاوزها؛ لأن طاعة ولي الأمر تأخذ حكم طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه فيجب علينا أن ندرك أن التقيد بالحصول على تصريح للحج والالتزام بالنظام داخل المشاعر المقدسة أمر واجب إتباعه لتتحقق المصالح وتدفع المفاسد أو وقوع المشكلات بين المشاعر المقدسة وحول الحرم في الحج والعمرة.. وفقنا الله وإياكم لكل ما فيه خير للبلاد والعباد.
طاعة ولي الأمر
أما الشيخ أحمد بن جزاع الرضيمان أستاذ العقيدة في جامعة حائل فقال: من المقرر في الشريعة أنه يجب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة معلومة، والمتأمل للحكم والمقاصد الشرعية يدرك جيداً أن الناس لا يصلحون فوضى لا سراة لهم، فلا بد من إمام، ولا بد من سمع وطاعة له في غير معصية الله، فالمستجدات والتحديات المتكاثرة، والقضايا المعاصرة، والنوازل المشكلة، توجب على الإمام أن ينظر فيها على وفق ما توجبه الشريعة، ويلزم الرعية الالتزام بما يقتضيه النظر الشرعي، ولو فرض أن ثمة خلافاً فقهياً، فإن حكم الحاكم يقطع الخلاف.وأضاف: من تلك الاجتهادات التي فيها مصالح البلاد والعباد، ولا تعارض نصوص الشريعة، تلكم اللوائح المنظمة لتصاريح الحج والعمرة التي أيدها كبار العلماء، وأمر بها إمام المسلمين، فالواجب على كل مسلم التقيد بها، ومن وجهة نظري أن الجهل بأحكام الشريعة ومنها (أن الحج لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلا)، سبب رئيس في ما يشاهد من تجاوزات، فالله - تعالى - الذي فرض الحج على من استطاع إليه سبيلاً كما في كتابه الكريم، هو الذي أمر بطاعة ولي الأمر في كتابه الكريم، فلا يحل لأحد أن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه، وإذا كان الإنسان يرغب الحج أو تكراره، ولا يستطيع بسبب عدم حصوله على رخصة، فالحمد لله هو معذور لأنه لا يستطيع إليه سبيلاً، فلا حاجة حينئذ لارتكاب المخالفات والحيل المحرمة، وإذا علم الله من الإنسان رغبته بالخير وحال دون ذلك حائل بلغه الله الأجر وإن لم يغادر بلده، لاسيما وتلك الأنظمة لم توضع إلا للتيسير على المسلمين، وإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن ممن لم يحج أو يعتمر.. وفق الله الجميع لكل خير.