جعلت المملكة عمارة المسجد الحرام في مقدمة أولوياتها التنموية، والتزاماتها المالية؛ آلة الإعمار لم تتوقف منذ أن بدأت في التوسعات المباركة التي تعاقب عليها ولاة أمر هذه البلاد. تعرضت المملكة في حقبة الثمانينات والتسعينات الميلادية إلى أزمات مالية أثرت سلباً في خطط التنمية وحجم مشروعات البنى التحتية، إلا أنها لم تؤثر في الإنفاق على مشروعات الحرمين الشريفين. مئات المليارات أنفقتها المملكة لتوسعة المشاعر المقدسة، وتطويرها، وتحقيق أمن، وسلامة ضيوف الرحمن. يتخذ المستثمرون قراراتهم الاستثمارية بناء على العائد المتوقع، وهو مالا يبحث عنه السعوديون الذين يستثمرون مئات المليارات لتطوير الحرمين الشريفين وتهيئتهما، طمعاً في المثوبة والأجر من رب العالمين. الأمير نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، ذكر في تصريحات صحفية؛ بأن الدولة تكتفي بصرف التكاليف على مشروعات الحرمين، دون النظر للمردود المالي، وأكد على أنه «لا يدخل خزانة الدولة ريال واحد» من عوائد المشروعات.
فلسفة الاستثمار في مشروعات الحرمين الشريفين تختلف في مضامينها عن فلسفة الاستثمار القائمة على الربح والخسارة؛ فمن حيث العائد على الاستثمار نجد أن مشروعات الحرمين تركز على المنفعة التي يحصل عليها الحجاج والمعتمرون، لا العوائد المالية المتأتية منها. فمشروعات الحرمين موجهة لخدمة الإسلام والمسلمين، وكل مشروع فيها على علاقة بحجاج بيت الله القادمين من أصقاع المعمورة. كل ريال ينفق في بيت الله الحرام، والمناطق المحيطة، مضمون العائد في الدنيا والآخرة، بل إن عوائده تفوق في أدناها مجمل عوائد الكون الدنيوية؛ وأحسب أن ما تشهده المملكة من بركة ونماء ربما كان على علاقة بإنفاقها السخي على مشروعات الحرمين الشريفين.
مشروعات الحرمين الشريفين موجهة لخدمة ضيوف الرحمن، فهم الهدف الأسمى لحكومة المملكة التي لم تدخر جهداً في سبيل عمارة المسجد الحرام، والمسجد النبوي وتهيئتهما لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين وتوفير كافة سبل الراحة التي تعينهم على أداء نسكهم وعباداتهم بيسر وسهولة. مشروعات مكة الإستراتيجية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، منذ توليه الحكم وحتى اليوم هي تجارة لن تبور بإذن الله، ونسأله تعالى أن يجزل له المثوبة والعطاء على كل ما قدمه، ويقدمه للإسلام والمسلمين.
ملك استحق التكريم
اختيار مجلة «فوربس» لخادم الحرمين الشريفين وللمرة الثالثة ضمن أوائل الشخصيات الأكثر نفوذاً في العالم، جاء متوافقاً مع الواقع الذي نعيشه؛ استغل الملك عبدالله نفوذه لإحداث التغيير الإيجابي، محلياً وخارجياً، وبما يحقق مصلحة الشعوب. ما حدث في المملكة من تنمية وتطوير وبناء كان متناسقاً مع توجهات الملك التنموية، ودليلاً قاطعاً على استثماره، ما حباه الله من خير وقوة، لتحقيق مصلحة البلاد والعباد، وتجاوز ذلك لتحقيق مصالح الدول والشعوب الفقيرة وعلى رأسها الدول الإسلامية والعربية.
في حيثيات الاختيار كانت هناك إشارة إلى «حرص الملك عبدالله على مصلحة شعبه» وأحسب أنها مقدمة على ما سواها، فالاهتمام بالشعب والحرص عليه تاجٌ حمله الملك عبدالله فوق رأسه، فتوجها ملكاً على رش القلوب. رؤية الملك عبدالله التنموية، وحرصه على تحقيق الريادة، وإحداث التغيير الأمثل المتناسق مع متطلبات العصر، ضمن حدود الشريعة، وتركيزه الأكبر على تنمية الإنسان، ومحاكاة الحضارات المتقدمة وأخذ النافع منها، ونشر تعاليم الإسلام، والقيم الإنسانية، والعدل والسلام، جعلته مستحقاً التكريم من جهات عالمية مختلفة، وإن كان فيها من الزاهدين!.
f.albuainain@hotmail.com